2_العناق الأخير

9.4K 637 100
                                    

"‏إذا ساء فِعلُ المرءِ ساءتْ ظُنونه
وصدّق ما يعتادُه من توَهُّمِ

وعادى مُحبِّيهِ بقَولِ عُدَاتهِ
وأصبحَ في ليلٍ منَ الشكِّ مُظلِمِ"

-المتنبي.

كانت صدمة آلاء بوفاة شقيقتها تفوق توقعها، لم تتخيل لوهلةٍ بأن إيمان ستفارق الحياة وتترك لها ابنتها!

لقد كانت تتحدث معها منذ ساعاتٍ، تشكو لها بأنها خائفة، تخبرها بما يؤلمها وبانتشار المرض الخبيث بخلاياها، تحثها على مساعدتها لوجود حلٍ، كانت على قيد الحياة!

ولما اشتد عليها الحزن تباطأت ضربات قلبها؛ بالإضافة للألم الذي يسري بجسدها، هي عانت كثيرًا، تعبت من كل شيء ففارقت الدنيا واسترد الله أمانته.

بدأت آلاء بالانهيار والصراخ الهيستيري، وصغيرها حمزة يقف على الباب يبكي بصوتٍ عالٍ وعقله عاجز عن الاستيعاب بأن خالته ماتت للتو، أتى تيام وهو يرتجف من الرعب وبمجرد رؤيته لحمزة الذي يقف أمام باب الغرفة ويبكي بذعرٍ ضمه إلى صدره حتى يهدأ، وقد أدمعت مقلتيه رغمًا عنه.

هرولت سندس وزينة نحو الداخل، صرخت سندس وبدأت تبكي هي الأخرى بدورها وتتشبث بأمها، عاد لذهنها سريعًا رؤيتها لوالدها بالآونة الأخيرة قبل وفاته، كانت تنام بحضنه لا تفارقه حتى استيقظت ذات يوم وجدته ساكنًا بجانبها، وهي الآن تشهد ذلك الموقف للمرة التالية مع خالتها، لتعود لها تلك الذكرى المؤلمة حتى تصفعها من جديد كلما حاولت النسيان.

أما بالنسبة لزينة؛ فهي لم تذرف دمعة واحدة حتى، تقدمت من والدتها تمسك بكف يدها البارد والذي بدأ يتحول لونه للأزرق، نظرت لوجهها وجدتها مبتسمة، فاقتربت منها أكثر ووضعت رأسها على موضع قلبها الصامت ومازالت تمسك بيدها، حاولت خالتها ردعها وإبعادها ولكن زينة رفضت وتشبثت بجسد أمها، على الأقل سيكون ذلك هو العناق الأخير.

بعد مرور ساعات، انتهت مغسلة الأموات من تغسيلها وتكفينها، اجتمع الكثير من الجيران واتصلت آلاء بأقاربها لحضور الجنازة، كانت زينة تجلس مع سندس بغرفتها، ترتدي كل منهما اللون الأسود، تحرك حمزة نحو سندس يجلس برفقتها وسألها بعينيه الممتلئة بالدموع

"هي كدا خالتو هتقابل بابا فوق؟"

كان سؤاله بريئًا، هو الذي لم يتعد السابعة من عمره، يشتاق لوالده والآن لخالته، ربتت عليه سندس وحثته على الدعاء لهما قائلة بنبرةٍ متحشرجة

"ادعيلهم يا حمزة، قول ربنا يرحمهم.".

***

بعد الانتهاء من صلاة العصر تم الدفن، ازدحم البيت بالناس وحل السواد على ثيابهم، لم يمر القليل حتى ظهر فؤاد، يرتدي قميصٍ من اللون الأسود وبنطالٍ قماشي رمادي اللون وبفمه لفافة التبغ التي لا تفارقه، صافح الرجال الجالسين وتحرك نحو آلاء التي تجلس بصغارها ومعها زينة ابنته.

قمر والميم دالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن