أَغيبُ عَنكَ بِوُدٍّ لا يُغَيِّرُهُ .. نَأيُ المَحَلِّ وَلا صَرفٌ مِنَ الزَمَنِ
فَإِن أَعِش فَلَعَلَّ الدَهرَ يَجمَعُنا .. وَإِن أَمُت فَبِطولِ الشَوقِ وَالحَزَنِ
-العباس بن الأحنف.
شعر حمزة أن قلبه قد دُفع فجأة إلى دوامة عميقة من القلق، نبضاته تتسارع لتسبق الزمن نفسه، كانت منار تقف أمامه، تحمل في قبضتها شيئًا ما، تتشبث به وكأنه إرث ثقيل أُسقط من علياء عرشه، عيناها تتراقصان بين الندم والارتباك، وخطواتها مترنحة غير واعية لما حولها، تقدمت نحوه باندفاعٍ كاد أن يصدمها به، مما جعل حمزة يتراجع خطوةً أو اثنتين إلى الخلف، وجاء سؤاله مباشرًا لها
"مالك؟ في إيه؟!"
رفعت رأسها نحوه بعينين مغلفتين بالأسف والخجل، وكأن الكلمات تتعثر قبل أن تخرج من شفتيها، أخيرًا، وبصوت بالكاد يستطيع أن يختبئ فيه ثقل الشعور بالذنب، قالت
"حمزة... أنا آسفة."
اعتذارها لم يكن شافيًا؛ كان أقرب إلى ريح باردة تلامس جرحًا مفتوحًا، في تلك اللحظة، سقطت عيناه على ما تحمله يدها، وارتسم المشهد واضحًا أمامه، توقف الزمن للحظة وهو يرفع يده إلى رأسه في محاولة يائسة لاحتواء طوفان الغضب الذي انبثق من أعماقه، أغمض عينيه بإحكام، يحاول أن يعيد الأمور إلى نصابها بمجرد التظاهر بعدم رؤيتها.
تابعت منار بصوت متردد، وكأنها تحاول التمسك بأي خيط يخفف وطأة ما حدث "والله ما كان قصدي إن ساعتك تتكسر... أنا كنت بهزر مع حاتم، وهي وقعت مني."
كانت كلماتها أشبه بسكين بارد يغوص في صدره، تتسلل بخبث لا يُقاوَم، ذلك النوع من الأعذار الذي يزيد الطين بلة، فلا يمنحك العزاء بل يكشف عن هشاشة السبب، صمت للحظة، يحاول أن يجد نقطة يرتكز عليها وسط انهيار المشاعر، لكن كلماته خرجت منه بانفلاتٍ وعصبية
"أنتِ بجد واعية للي بتقوليه؟ دا أنا اختارتك أنتِ عشان أشيل معاكِ الساعة!"
ارتبكت للحظة، ثم حاولت كعادتها أن تلطف الأجواء، ضربته على كتفه بخفة محاولة نزع فتيل الغضب بمزحة بسيطة
"خلاص بقى قلبك أبيض، ماتزعلش مني."
لكن تلك الحركة، التي ربما كانت لتثير ضحكة خفيفة منه في وقتٍ مضى، بدت الآن كصفعة على وجه كرامته المتعبة، حمزة لم يعد ذلك الشخص المستهتر الذي كان يتجاهل ثقل اللحظات، ولم يعد يرى المزاح كوسيلة للتجاهل، كان حديث أنفال قبل فترة قد غرس في نفسه شعورًا جديدًا بالمسؤولية، وكل تلك التصرفات والملامسات أصبحت ظلالًا قاتمة تطارد محاولاته للتغيير.
نظر إلى منار بوجه يحمل استياءً واضحًا، وخرج صوته هذه المرة كأمر لا يقبل الجدل "خلاص يا منار، هاتي الساعة."

أنت تقرأ
قمر والميم دال
Romanceمِن خَيبَتي أَسمَيتُكَ أَمانًا .. وَنَسيتُ بأن الثِقةِ بَينَنا تَنعَدِمَا يَا سَببْ قَهرةِ فُؤادِي وحَسرَتي .. أُذرِفُ كُل يَومٍ بَدلِ الدِّمُوعِ دَمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بدأت في ٢٥ مارس ٢٠٢٢ والنسخة ال...