الفصل الأول

154K 2.2K 67
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الفصل الأول

بداخل الصالة الضيقة في البيت القديم المتهالك وعلى الأرض المتشققة بفعل الرطوبة وعامل الزمن، كانت جالسة على وسادة قطنية ومستندة بظهرها على الكنبة الخشبية الصغيرة، نسمات الصباح الباردة والاَتية من النافذة المفتوحة على مصراعيها بوسط الصالة أمامهم؛ تداعب وجهها برقة، جدتها في الأعلى خلفها كالعادة تصفف لها الأطراف التي تعجر بالوصول اليها من شعرها الطويل؛ والذي تعدى خصرها بمراحل، مستمتعة بدفء المرأة العجوز ومزاحها الذي لاينتهي، رغم صعوبة عيشها كامرأة قعيدة منذ سنوات، ملازمة لفراشها دائمًا لعدم وجود المقدرة المادية لشراء كرسي متحرك يساعدها في التنقل والحركة، ورغم ذلك؛ هي دائمًا ماتنشر السعادة حولها بمزاحها وروحها المرحة على الدوام.
- ياستي خلاص كفاية انتِ لسة مخلصتيش؟ دا انت بقيتي بطيئة أوي.
قالت زهرة لتشاكس جدتها التي نكزتها بخفة خلف كتفها بالمشط الخشبي ترد:
- انا برضوا اللي بطيئة يامقصوفة الرقبة ولا انتي اللي شعرك دا مابيخلصش من طوله.
- كبري في قلبك ياستي، هو انتِ هاتحسديني ولا إيه؟ دا انا حتى غلبانة وماملكش غيره والنبي.
شهقت رقية بصوت اثار ضحك حفيدتها بهسترية وهي تردف بانفعال:
- احسدك دا ايه يابت؟ لهو انتِ فاكرة ان شعرك احسن من شعري، اشحال ان ماكنتِ ورثاه عن امك، اللي هي في الأصل بنتي وورثاه عني انا ياقليلة الأصل انتِ .
قهقهت زهرة صامتة مستمتعة بمناكفة جدتها والتي تابعت بغيظ:
- دا بدل ماتحمدي ربنا انك ورثتي حاجة مني، احسن ما كنتِ ورثتي شعر المنيل ابوكي.
- شعر ابويا مين ياستي بس؟ دا طار من زمان ومافضلش فيهم غير شوية على الجانبين فوق ودانه، دا اتبهدل خالص والنعمة.
وصل اليها صوت جدتها وهي تردف باستمتاع :
- ايوة ياختي ماانا واخدة بالي، دا فرق راسه بقى وسع رصيف العربيات ومع ذلك برضوا مش نضيفة ولا بتلمع، فاضلين فيهم ياعيني كام شعرة متنتورين كدة في النص، واكنهم زرع شيطاني في صحرا فاضية هههههه.
توقفت زهرة عن الكلام بعد ان افحمتها جدتها بخفة ظلها فجعلتها تضحك حتى أدمعت عيناها، حتى أجفلها صوت رنين هاتفها الخلوي الصغير من داخل غرفتها، فانتفضت واقفة :
- يالهوي ياستي، دا انا بايني اتأخرت ودي كامليا اللي بتتصل عشان تستعجلني.
- ولا اتأخرتي ولا حاجة، الوقت لسة في اوله بدليل ان المنيلة غادة بت احسان لساها مرزوعة مكانها ، ومطبتش زي القدر المستعجل فوق راسنا.
انهت جملتها رقية، لتفاجأ بصوت الجرس المزعج وصوتٍ نسائي تعلمه جيدًا يهتف من الخارج بميوعة :
- ياللا يازهرة بقى بدال ما نتأخر عن الشغل .
لوحت بكفها زهرة في أتجاه مدخل المنزل لجدتها قائلة:
- شوفتي؟ اهي جات عالسيرة أهيه، ياريتنا افتكرنا مليون جنيه ولا أي حاجة عدلة.
خطت لتتحرك نحو الباب ولكن رقية فاجأتها بجذبها من طرف عبائتها متمتمة بهمس وتحذير:
- لمي شعرك الأول قبل ماتفتحي الباب .
فتحت فاهها لتعترض ولكن أمام اصرار جدتها فعلت مضطرة تلملم شعرها خلف رأسها كدائرة على عجالة، قبل ان تهرول لباب المنزل وتفتحه لغادة التي كانت مائلة على إطار الباب، رمقت زهرة وماتريديه قائلة بحنق :
- لساكي بعبابة البيت؟ هو انتِ عايزاهم يدونا خصم على التأخير في الشركة يازهرة؟
- ربنا مايجيب خصم ياستي ولا حاجة، ادخلي انتِ بس وانا حالًا هاكون مخلصة .
قالت زهرة وهي تخطوا عائدة نحو غرفتها، دلفت خلفها غادة لداخل المنزل تلقي التحية على رقية وهي تنظر بالمراَة الصغيرة التي أخرجتها من حقيبتها لتتأكد من زينتها:
- صباح الخير ياستي، عاملة إيه النهاردة؟
تفحصتها رقية قليلًا قبل أن ترد على تمهل:
- اهلًا ياغادة، ازيك انت وازاي امك إحسان اللي بطلت ماتسأل عني؟
- كويسين والحمد لله، هي بس تلاقيها مشغولة حبتين، لكن اول ماتفضى، أكيد هاتجيلك.
اجابت غادة بعدم انتباه لتفاجأ برد رقية المنتقد وعيناها مرتكزة على ماترتديه:
- طب ولما انتِ حلوة ومطولة الجيبة على ناحية كدة، مش تكملي جميلك وتكملي الناحية التانية، بدال الحيرة دي والواحد مش عارف يشوفها ان كانت طويلة ولا قصيرة !
عوجت غادة فمها بزاوية وهي تردف من تحت اسنانها :
- دي الموضة ياستي ولا انتِ ماسمعتيش عنها؟
تبسمت رقية بسخرية اثارت غيظ غادة قائلة:
- موضة برضوا يابت؟ ودي جابوها في الجرايد بقى ولا في التليفزيون؟
صكت غادة على فكها وهي تشيح بوجهها عن هذه العجوز الماكرة، تعلم انها الخاسرة لو استمرت في الجدال معها، فهي لن تسلم أبدًا من لسانها السليط، ولكن حينما خرجت اليها زهرة من غرفتها وجدت فرصتها في الرد:
- ومكلفة نفسك ليه بس؟ ما كنتِ لبستي شوال أسهل .
- شوال في عينك .
هتفت بها رقية بحدة على الفور، اما زهرة التي أجفلتها السخرية على ملابسها، ففضلت التجاهل وإكمال لف حجابها الطويل، قبل ان تتناول حقيبتها وتخرج معها .

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن