ممسكًا بقنينة العطر التي جلبها معه بغرض إفاقتها؛ وأنفاسه الهادرة مازالت لم تهدأ بعد ، يجاهد للسيطرة على شيطان نفسه التي لم يشفي غليلها حتى الاَن بما احدثه لهذا الرجل ، مغيبة عن الواقع ولا تشعر بالنار المشتعلة بصدره، هي لا تعلم بحجم الخوف الذي انتابه وقت أن ولج بأقدامه الى مكتب هذا البدين البغيض وسمع صرخة استغاثتها من داخل الغرف ، كم ود في هذا اللحظة أن يقتلع اعين هذا الرجل أو أن يطبق بكفيه على عنقه فلا يرفعهم سوى بإزهاق روحه، كم ود أن يذيقه بأس قبضته التي لو نفذ وفعلها لكانت أطاحت بفك وجه هذا الرجل دون تردد ، لقد كلفه ضبط النفس لحفظ سمعتها وسمعته الكثير ، الكثير جدًا ،
قرب الزجاجة من أنفها وصبر لعدة لحظات حتى شعر بحركة لعضلات وجهها تثبت بداية إفاقتها ، رمشت بعيناها قليلًا حتى انفتح جفناها ليكشف عن عيناها الجميلتان وهي تتحقق من الكون حولها ، تطوف بأرجاء المنزل الغريب عنها بعدم إدراك حتى انتبهت لوجهه وجلسته على الإريكة بجوارها ، كادت أن تفلت منه ابتسامة متسلية رغم غضبه الشديد منها وهو يرى توسع عيناها بذعر والمرافق لانسحاب الدماء من وجهها قبل أن تنتفض جالسة بجذعها واقدامها تضمها اليها في اَخر الاَريكة تصيح بجزع :
- انا فين ؟ وانت ازاي جمبي كدة؟
- أمال عايزاني أبقى بقى فين وانا بفوقك ؟
قال بنبرة متهكمة ، مما جعلها تصمت قليلًا لتستعيد ذهنها فتذكرت ماحدث لتصرخ عليه :
- انت خليت إمام يكسر إيد الراجل ، وانا سمعت صوت العضم لما اتكسر ودا اللي خلاني اسورق صح ؟
قالت الاَخيرة بعدم تحمل وصوت صراخ الراجل مازال يتردد بأذنها ، مال بوجهه أمامها قائلًا وهو يجز على أسنانه:
- إحمدي ربنا اني خليت إمام هو اللي يكسرها عشان لو كنت اتدخلت انا بنفسي وإيدي طالته مكنتش هاكتفي بكسر واحد أبدًا، ولا حتى روحه كانت هاتكفيني.
انزوت على نفسها أكثر لتضم اقدامها بيدها تلتصق باَخر الاَريكة، مرتعبة من هيئته المخيفة ، تود الهرب ولا تقوى على الحركة أمام حصارها لها ، واستطرد هو سائلًا :
- ايه اللي خلاكي تدخلي مع الراجل ده مكتبه لوحدك ؟
صمتت لا تريد الإجابة كما تود الصراخ بوجهه معترضة على السؤال والتدخل في شؤنها ، فهدر عليها ضاربًا بقبضته على ذراع الاَريكة من خلف ظهره:
- ماتردي عالسؤال ساكتة ليه؟
أجابته سريعًا بخوف
- روحت اسد قسط شقة خالي واترجاه يستنى عالباقي عشان الفلوس اتسرقت مني ، مكنتش اعرف انه هايستغل الموقف ويقفل باب الاؤضة عليا معاه.
قالت الاَخيرة مترافقة مع سيل دماعاتها التي انطلقت مع تذكرها للموقف وما كان يود فعله هذا الرجل البغيض معها ، تنفس بعمق يكبت غيظه وصوت بكاءها الحارق يكاد أن يمزق نياط قلبه ، خاطبها بلهجة رقيقة نسبيًا :
- هو دا السبب اللي خلاكي عايزة تسحبي السلفة؟
اومأت برأسها دون صوت فتابع لها :
- طب خلاص اهدي وبلاش عياط، أنا عصبيتي معاكي سببها بس الخوف عليكِ .
رفعت عيناها وتوقفت عن البكاء وقد انتبهت على الجملة فسألته وهي تمسح بأطراف أصابعها الدموع العالقة على وجنتيها :
- هو انت إيه اللي عرفك صحيح ؟ وإيه اللي خلاك تيجي مع إمام بالظبط في الوقت ده ؟
مط بشفتيه يجيبها بغموض :
- عرفت وخلاص ، هو انتِ لازم تعرفي يعني؟
كبتت غيظها من طريقته وإجابته المبهمة لها فانتقلت بعيناها عنه لتجوب المكان مرة أخرى والذي كان عبارة عن صالة كبيرة تشبه برفاهيتها الأماكن التي تراها في التلفاز، فسألته بدهشة :
- هو انا فين بالظبط ؟ وازاي جيت هنا أصلًا ؟
- أنا اللي جبتك .
اردف بها وتابع أمام نظراتها المذهولة :
- بعد ما أغمى عليكِ شيلتك وجيبتك معايا في العربية وبعدها جيت بيكِ على هنا عشان افوقك .
صاحت مرددة بأعين متوسعة
- شيلتني بإيديك وحطتني في عربيتك؟
كبت ابتسامته بصعوبة وهو يردد على أسماعها بتسلية :
- وشيلتك برضوا من العربية وجيت بيكِ على هنا في بيتي.
- بيتك !
صرخت بها وهي تنهض منتفضة عن الاَريكة بذعر حقيقي لتهتف:
- انت ازاي تعمل كدة ؟ وازاي تجيبني على بيتك من الأساس.......يامصيبتي .
رددت الاَخيرة بإدراك وهي تتفحص حجابها وتنظر إلى الملابس التي ترتديها جيدًا ، مما جعله يفقد السيطرة ويضحك مقهقًها ، أثار انتباهها فتوقفت عما تفعله لتنظر اليه بغضب، وبعد أن هدأت ضحكاته الرجولية الصاخبة خاطبها ملطفًا:
- خلاص يازهرة اهدي كدة وفكري كويس، انتِ بعد ما أغمي عليك كنت عايزاني افوقك فين بالظبط ؟ اروحك على بيتكم مثلًا عشان أهلك يتخضوا عليكِ ؟ واديكِ ياستي اتأكدتي بنفسك ، انا حتى حجابك مقربلتوش .
اومأت برأسها مقتنعة نسببيًا قبل ان ترد:
- طب أنا عايزة اروح بيتنا، الباب من فين بقى؟
نهض ليقابلها ويرد بهدوء:
- اصبري شوية يازهرة على ماتشربي حاجة كدة تهديكِ هاكون انا كلمت السواق ياخدك يوصلك لحد باب بيتكم .
- انا مش عايزة سواق يوصلني، انا هاخرج وادورلي على أي مواصلة، هي فين شنطتي ؟ ولا انت نسيت ماتجيب شنطتي معايا؟
سألت وهي تبحث بعيناها على الاَريكة وما حولها من مقاعد ، أجابها واضعًا كفهِ في جيب بنطاله بكلماتِ هادئة وحازمة :
- قولتلك اصبري يازهرة ، ان كان على شطنتك ، هاجيبهالك من العربية وان كان على التوصيل ماهينفعش تروحي لوحدك، عشان مكان الفيلا هنا بعيد عن المواصلات العامة والأوبر بياخد وقت على مايجي .
سقطت على الاَريكة خلفها قائلة بإحباط :
- يعني إيه بقى ؟ انا كدة ستي هاتقلق عليا .
- مش هاتقلق ان شاء الله عشان مش هاتتأخري كتير ، انا هاغيب دقيقتين بس وراجعلك تاني .
قال كلماته وذهب على الفور دون أن يعطي لها مجالًا للنقاش، تنهدت وهي تريح وجنتها على قبضة يدها التي استندت بها على ذراع الاَريكة، مستسلمة للحيرة التي تأكل رأسها بالتفكير فيما حدث وما يفعله هذا الرجل معها، أجفلت ترفع رأسها نحو الفتاة الخادمة ذات الرداء المحكم والقصير ، وهي تتقدم اليها بابتسامة رقيقة تضع أمامها على الطاولة الزجاجية وهي تقربها منها بكل زوق، طبقين من الجاتوه ومعهم فنجانين لم تتبين مابداخلهم بعد.
- انتِ جايبة طبقين الجاتوه دول لمين ؟
سألت زهرة الفتاة التي لم تجيبها بل اومأت برأسها بابتسامة مستفزة تردد بلكنة أجنبية:
- تهبي هاجة تاني هانم ؟
- هاااانم !
تفوهت بها بدهشة قبل ان تومئ لها بيدها مرددة:
- روحي الله يسترك روحي، بلاهانم بلا نيلة
...........................
أنت تقرأ
نعيمي وجحيمها
ChickLitفتاة متواضعة الحال لا تملك في الحياة سوى برائتها وأحلام وردية قد تكون عادية لكل الفتيات ولكن بالنسبة لها وبالنظر لظروف معيشتها الصعبة بعيدة المنال؛ وجدت نفسها فجأة محاصرة من متجبر يملك السلطة والقدرة اخضاع الغير، مع المال الذي يشتري به كل شئ، اذا ما...