الفصل السادس والستون

65.1K 1.6K 69
                                    

بشرفة المنزل الجديد، وعلى كرسيه الوحيد كان جالسًا يدخن بشراهة وعدم توقف حتى أثار ضيق زوجته التي أتت أليه بكوب الشاي للمرة العاشرة منذ الصباح، بعد طلبه له:
- مش كفاية بقى يا محروس، سجاير وشاي، سجاير وشاي، خف شوية يا حبيبي عشان صــ درك حتى.
نفث بوجهها الدخان الكثيف ليرد على كلماتها بضيق:
- وانتي مالك يا ختي ومال صحتي؟ ولا يكونش مزعلاكي المصاريف، بعد ما بقيتي بتصرفي وتبقششي من جيبك، عجبت لك يا زمن.
قال الاَخيرة بضربة قوية من كفه على فخــ ذه، هزت هي رأسها بسأم تقول له:
- حرام عليك، هو انت مبتشعبش من النكد يا راجل انت؟ يعني هو انا كنت بصرف على نفسي ولا الفسح والفساتين يا حسرة، دا الفلوس كلها رايحة على مصاريف البنات وتعليمهم ولا الأكل والشرب بتاعنا واللي يعوزا البيت، وانت ما شاء الله، كل اللي بتعوزوا بيجيلك بدليل السجاير اللي بتحرق فيها بالهبل دي، مش فاهمة انا عايز ايه تاني بالظبط عشان تحمده؟
برقت عينيه نحوها بنظرة عاصفة ليحتد بحديثه:
- انتي كمان بتجبي عليا يا ست البرنسيسة؟ طبعًا عندك حق تعملي ما بدالك، بعد ما سيبتلك الجمل بما حمل وريحتك من خلقتي شهور، وانا في المصحة اتشال واتحط من قهرتي، وانت تصرفي وتدلعي مع بناتك، اعملي ما بدالك يا سمية، حقك.
كبتت غيظها حتى لا تنفــ جر بوجهه صارخة، وفضلت الرد بصوتها الرزين:
- طب انت فهمني يا محروس إيه اللي مزعلك دلوقتي؟ هي المصحة دي مش هي السبب برضوا في انك تبطل الزفت اللي كنت بتشربه وتأذي نفسك، يعني جات بألفايدة،  يمكن تكون تعبت على ما خرج السم من جسـمك،  بس كدة أحسن مية مرة من الاول، كمان بقى لو اتشطرت وسيبت السجاير يبقى رضا من عند ربنا ونحمده على فضله.
برغم رقة كلماتها، إلا أنها لم تزيده إلا حنقًا وعنادًا، بفضل رأسه المتحجر، وغباءه الفطري الممتزج بأنانيته المفرطة دائمًا وأبدًا، لذلك لم يكن غريبًا أن يهتف باعتراضه:
- لا يا ست سمية، انا مش قابل بالوضع دا كله، انا راجل  حر نفسي، طول عمري كلمتي من مخي، اشتغل واصرف واروق دماغي، دماغي اللي هتنفــ جر دلوقتي من الصداع والقرف، عايزانى اصفى وارضى عنك، يبقى ارجع انا راجل البيت وكل قرش بيوصلك من المحروسة بت ال...... اللي مش معبرة ابوها باتصال حتى، تدهوني، انا الأولى بفلوس البت زهرة، أنا أبوها، لكن انت حيالله مرات ابوها، وبناتك يبقوا خواتها مني انا .
طحنت على أسنانها حتى لا يخرج لسانها بسبة هو يستحقها بالفعل، ولكن أخلاقها وما تربت عليه من مبادئ قديمة لتوقير الزوج حتى لو كان مخطئ، تمنعها من الرد، لذلك فضلت الإنسحاب فنهضت من أمامه تقول بكلمات مقتضبة:
- اللي زرعته الايام من حب زهرة مع اخوتها، اقوى من صلة الدم اللي بتتكلم عنها انت دلوقت، وانت اول من يقطعها بقسوتك، ربنا يقويك على شيطانك يا محروس، ربنا يقويك.
بصقت كلماتها وخطت تغادر من أمامه، ليغمغم هو من خلفها بتهكم:
- قال زرعته الايام قال هه، قولي زرعته الفلوس يا ختي اللي ملت عنيكي انتي وبناتك، وقوة قلب المحروسة على ابوها بنت ال...... .

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن