الفصل الثامن عشر

83.8K 2K 78
                                    

بإحدى الدول الأوربية وبداخل جناحه الذي يتعالج به في المشفى العريق ، كان متكتفًا بذراعيه يحدق بابنه الذي شاركه الجلسة على الأريكة الجلدية التي أخذت معظم مساحة الحائط في إحدى جوانب الجناح .
- نعم ياحبيبي ، سمعني تاني كدة عشان انا بايني ماسمعتش كويس.
تبسم جاسر يخفض أبصاره قبل أن يرفعهم الى ابيه قائلًا :
- لا انت سمعتني كويس قوي ياعامر باشا فبلاش تعملهم عليا .
رد عامر بانفعال:
- أعملهم ايه يا ودا انت ؟ هو انت مش واخد بالك من اللي انت بتقوله؟ انت جاي تقولي بالفم المليان انك هاتتجوز ، طب امتى؟ وفين ؟ ومراتك اللي على زمتك دي ياباشا، ولا انت ناسيها ؟
- لا طبعًا مش ناسيها ، بس هي ليها عندي إيه؟ ما احنا جوازنا مع وقف التنفيذ بقالوا سنتين، إيه فرفت بقى لما اتجوز ، دا حتى الشرع محلل أربعة.
قال جاسر ببساطة قابلها عامر بتهكم يرد:
- جاسر ! بلاش ياحبيبي تلف وتدور عليا ، انت عارف كويس قوي ان الموضوع مش سهل ، لا ميرهان هاتقبل ولا والدها ولا حتى أُمك انت نفسها هاتقبل، ولا انت تايه عنها؟
رد جاسر:
- لا طبعًا مش تايه عنها عشان كدة مش ناوي اقولها دلوقتِ خالص ، ومتكل عليك انت كمان ياباشا برضوا ماتقولهاش ولا اكنك سمعت مني خالص .
- ياسلاام .
اردف بها عامر يضرب كفيه ببعضهم وهو يشيح بوجهه عنه قبل أن يعود إليه متابعًا :
- طب خليني معاك للاَخر ونمشي الجوازة زي ما انت عايز ، بعد كدة بقى إيه اللي هايحصل؟ هاتصالح مراتك وتعدل مابينهم بقى ولا إيه بالظبط ؟
رد جاسر بقوة :
- لا طبعًا مافيش صلح والكلام الفارغ ده، الطريق الوحيد اللي فاضل مابيني وبين مريهان ، هو طريق المأذون اللي هايطلقنا، مهما مر الوقت وعدت السنين ، برضوا مافيش رجوع، وهاطلقها يعني هاطلقها.
قال عامر بيأس:
- ياجاسر يابني افتكر المصايب اللي هاتنزل على راس المجموعة لو حماك عرف أو شم خبر ، النسبة اللي مشارك بيها معانا مش هينة دا غير باقي الشركا اللي أكيد هايختاروا صفه وينحازوا ليه عشان مصالحهم معاه ، دا وزير وإيده طايلة في الحكومة.
قال جاسر بعدم أكتراث :
- كل اللي انت بتقوله دا انا عارفه كويس وبرضوا مش فارق ، انا خلاص قررت، يعني مهما حصل انا قابل النتايج مهما كانت صعوبتها، وعلى فكرة انا اقدر من بكرة افك الشراكة واعجل بالمحتوم ، لكن انا بقى بحاول أشغل عقلي واَخد احتياطاتي .
رد عامر بعدم رضا :
- احتياطاتك! بتتكلم كدة بكل ثقة، طب ناسي كمان نسبتها هي ولا المُأخر الفلكي اللي هاتدفعوا لو حصل الطلاق؟
ردد جاسر من تحت أسنانه :
- اهو دا بقى اللي غايظني بجد؟ ولجمني عن طلاقها من أول مانزلت مصر بعد رحلة علاجي في ألمانيا ، بس ماشي خلينا في سياسة النفس الطويل واما اشوف إيه أخرتها .
أومأ عامر برأسه متفهمًا لما مر به ابنه من أوقات صعبة جعلته ينقلب على زوجته التي لم تدعمه أو تقف بجواره وقتها، ثم سأله ملطفًا :
- طب إيه بقى؟ مش ناوي تقولي على اسم عروستك دي ولا تعرفني هي مين؟
انفغر فاهاها بابتسامة رائعة انارت وجهه وهو يتناول الهاتف من جيب سترته ويردد:
- انا مش هاقولك على اسمها وبس ؟ لا دا انا هاخليك تشوف صورتها كمان .
دقق عامر في الصورة جيدًا بعد أن تناول الهاتف من جاسر ، ثم قطب حاجبيه قليلًا قبل أن يلتفت اليه بأستدراك :
- الله، مش دي تبقى السكرتيرة بتاعة مرتضى مدير الحسابات عندنا في الشركة، ودي عرفتها ازاي ؟
رد جاسر بابتسامة شقية :
- لا ماهي مابقتش سكرتيرة مرتضى وبقالها فترة سكرتيرتي انا .
- ياحلاوة، وكاميليا بقى ياحبيبي ؟ سكرتيرة معاها في نفس المكتب ولا خرطتها لل وز .
اطلق جاسر ضحكة رجولية مجلجلة على مزحة أبيه قبل أن يجيبه :
- لا اطمن ياباشا ، موصلتش لل وز ، انا بس رقتها وخليتها تمسك المصنع مع طارق ، جامد ابنك مش كدة برضوا .
اومأ له عامر بابتسامة مستترة وهو ينظر للصورة مرة أخرى:
- هي لدرجادي عجباك ؟ بس دي مش Type بتاعك خالص ياجاسر .
رد على كلمات والده متفكهًا :
- طب وانت اش اعرفك ب Type بتاعيى بس ياباشا ؟ لكن إيه رأيك بقى في زوقي؟
القى نظرة اَخيرة الرجل قبل أن يعطيه الهاتف ويجيبه :
- طبعًا جميلة رغم انها مختلفة عننا ، لكن مدام عجباك بقى ، ربنا يهنيك بيها ياسيدي .
- يارب ياوالدي يارب
ردد بها خلفه جاسر من قلبه، قبل أن يردف والده بقلق :
- ماتزعلش مني، بس انا كنت عايزك تأجل شوية لما تتحسن الظروف او حتى لبعد مااكمل انا رحلة علاجي، عشان لو دخلت الحرب اكون في ظهرك .
رد جاسر بثقة:
- انا عارف ان الحرب جاية جاية، بس بقى المهم، ان لو حصل اللي انت خايف منه ؛ ساعتها زهرة هاتكون في حضني وتحت عيني ، هو دا اللي يهمني وبس .
أجفل الرجل على اللهجة الجديدة لابنه فاعتدل بجلسته يتفحصه جيدًا وقبل ان ينبت فاهها بالسؤال ، انتبه على صوت أقدام أتية نحوهم ، أشار بكفه لجاسر لقفل الموضوع ، وقد علم بمن الزائرة .
- جاسر حبيبي هو انت لحقت تخرج امتى؟ وتيجي على هنا كمان من غيري؟
قالت والدته بلوم وهي تخطي أمامهم برشاقة، شعرها الأصفر القصير أظهرها اصغر من عمرها، ترتدي بنطال أبيض من القماش وفوقه بلوزة باللون التركواز ، زادتها بهاءًا ورقي، لتجلس بجوار زوجها ، رد جاسر بابتسامة مراوغة:
- اعمل ايه ياست الكل؟ ماانا كان معايا مشوار مهم وجيت على هنا بعد ما قاضتيه.
ابتسم والده بارتياح قبل ان يخاطب زوجته :
- جرا أيه يا لمياء ماانتِ كل يوم بتيجي لوحدك ، ولا هو عشان جاسر موجود في البلد ، يبقى لازم رجلك تبقى على رجله.
برقت بعيناها الخضراء تردف له بغضب:
- وانت مالك انت ياعامر ، ابني وبدلع عليه، فيها حاجة دي؟
تبسم لها جاسر بإشراق يرد:
- طبعًا حقك ياست ماما ، ادلعي واعملي كل اللي انتِ عايزاه كمان.
- ياقلب ماما انت، خُد دي.
اردفت قبل ان تلوح له بقبلة في الهواء تلقفها جاسر بضحكة مجلجلة اثارت انتباه والدته ، التي سهمت بها قليلًا قبل أن تتشجع قائلة:
- وحشتني قوي ضحكتك دي اللي تجنن ياحبيبي ، بس ايه الحكاية بقى؟ هو انتوا اتصالحتوا ؟
قطب قليلًا قبل ان يفهم مقصدها ثم نفى لها برأسه مرددًا بلا ، تابعت والدته بلهفة:
- طب إيه رأيك ، لو اتصلك بميري تيجي هنا تزور والدك وتاخدها انت فرصة عشان ترجع الميا لمجاربها وتعملوا شهر عسل من جديد ، دا البلد هنا تجنن .
تبسم جاسر يتبادلا النظر بيأس مع والده،  من إصرار والدته العجيب على عودته لميريهان ، رغم كل ماتعلمه عنها.
.................................

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن