على مدخل القاعة كانت تفرك بكفيها بعصبية، وتجول بعينيها باحثة كل دقيقة في الخارج عنه، لقد تأخر كثيرًا، كثيرًا جدًا وهي في انتظاره، وهو لم يأتي ولا حتى رب عمله ولا زهرة زوجته، تتمنى من الله السلامة وألا يكون هذا التأخير بسبب سوء حدث معهم.
شهقت بارتياح فور أن رأته يأتي قادمًا بخطواته السريعة نحوها، حتى إذا وصل إليها تلقفته بالسؤال على الفور:
- توك ما واصل يا إمام؟ دا الفرح قرب يخلص.
اجاب لاهثًا وهو يدخل بها لدخل القاعة:
- فرح ايه اللي يخلص بس يا غدغود؟ هو لسة ابتدى أساسًا؟ ع العموم معلش لو اتأخرت عليكي.
ردت بقلق:
- مش موضوع تأخير، بس انا قلقت عليك جامد يا إمام، خصوصًا وإن جاسر الريان مجاش ودا فرح صاحبه، ومراته صاحبه العروس تبقى صاحبة مراته وشغاله عنده، يبقى ليه التأخير دا بقى؟
نظر إمام نحو ساحة الرقص التي بدأ رقص الكابلز فيها مع العروسان، فقال وهو يتناول كف يدها ويسحبها معه:
- تعالي بس الأول نجرب الرقص الرومانسي وبعدها تكمل كلامنا، هي طارت يعني؟
- لا مطارتش بس....
قاطعها بقوله الحاسم وهو يخترق بها قاعة الرقص:
- ما قولنا بعدين يا غادة، مش قادرة تصبري يعني.
اضطرت مذعنة تسلتسم لإلحاحه ولشعور البهجة الذي يغمرها بشدة في القرب منه❈-❈-❈
وكأن الزمان لم يمر ولم يلقى منها جرح عمره، بين يديه وهو يراقصها برزانة تقارب الرتابة، نظرَا لتقدمهما في العمر، ولكنها وبرغم هذا الضعف الذي يراها اللاَن، عليها يجد نفسه يتذكرها بطفوليتها وسنين زواجه الأولى بها، قبل ان تتراكم عليه الهموم ويضيق الحال ويتبخر العشق في الهواء، ليذهب لمكان اَخر وليس منزلهم، ثم تأتي اليوم بعد كل هذه السنوات ويراها فينبهر بحسنها وينسى معه كل شئ، فلا يرا سواها يستعين بصورتها القديمة، ليستعيد ولو بالوهم سعادة غابت عن قلبه منذ رحيلها عنه.
كان منفصلَا عن الواقع معها وهي تميل بين يديه تناظره بامتنان يكفيها نظرة الحنان في عينيه وغفران قلبه لها، يكفيها فرحتها بابنتها التي تطالعها كل دقيقة منذ أن ولجت لساحة الرقص معها بسعادة تكمل فرحتها بأن تشاركها بهذه الرقصة الرومانسية، لقد استراح قلبها اَخيرًا ولم تعد تخشى شئ .❈-❈-❈
خدت بالك من جوز العصافير دول يا طارق؟
همست بها إليه بفرحة تطل من عينيها وهي تومئ برأسها نحو والديها اللذين يتراقصان بشاعرية بالقرب منها، نظر طارق نحو الجهة التي تُشير إليها فعاد إليها يقول بمشاكسة:
- دا شكل الميا هترجع تانى لمجاريها ولا إيه بس؟
ردت بوجه جدي:
- ياريت، بس للأسف المشكلة في ماما نفسها قبل بابا، لأنها مش عايزاه هو بالذات يعرف بمرضها، نفسها تفضل على صورتها القديمة الجميلة قدام الكل وخصوصًا هو .
- دي بتحبه بقى
رددها بتخمين أكدته هي بابتسامتها وقولها المتأثر:
- بس اكتشفت دا متأخر قوي .
شعر طارق بالحزن التي اكتسى ملامحها فقال سريعًا ليُعاود إليها مزاجها الرائق:
- على فكرة بقى انا عاملك مفاجأة تجنن .
سألته بفضول:
- بجد طب هي إيه؟
رد متبسمًا بصوت طقة طقة بفمه:
- وهتبقى مفاجأة ازي بقى لما اقولك؟
قالت بلهفة لم تقوى على كبتها:
- ماتبقاش رخم بقى وقول على طول .
تبسم يقول بمرح:
- يا بنتي بقولك اصبري، دي هي كلها دقايق بس .
أنت تقرأ
نعيمي وجحيمها
أدب نسائيفتاة متواضعة الحال لا تملك في الحياة سوى برائتها وأحلام وردية قد تكون عادية لكل الفتيات ولكن بالنسبة لها وبالنظر لظروف معيشتها الصعبة بعيدة المنال؛ وجدت نفسها فجأة محاصرة من متجبر يملك السلطة والقدرة اخضاع الغير، مع المال الذي يشتري به كل شئ، اذا ما...