الفصل التاسع

82.5K 2.2K 79
                                    

- نعم!
غمغمت بها بعدم تصديق وهي واقفة أمامه، أردف هو بتأكيد وتشديد على كل حرف يخرج من فمه، وملامح وجهه الصارمة؛ تخبرها بكل وضوح عن مدى جديته :
- خوديها قاعدة من دلوقتي يازهرة، انا مبعدتش كلامي مرتين، وانتِ سمعتِ كويس أوي انا قولت إيه؟ فاستوعبي بقى براحتك .
هتفت متوخية الحذر في نبرة صوتها رغم الغضب الذي الذي عصف برأسها وجعل الدماء على الفور تغلي بداخلها :
- يافندم انا مش فاهمة يعني، حضرتك لو تقصد عن غيابي اليومين اللي فاتوا فاانا قولتك السبب هو مرض جدتي، أما عن حكاية الهزار ولا الضحك، فاظن حضرتك يعني قبل ماترقيني عندك ، بالتأكيد طبعًا عرفت نبذة عن أخلاقي وشطارتي في الشغل، ولا انا هنا على أساس إيه بالظبط؟
اعتلت شفته ابتسامة غير مفهومة وهو يلتفت مائلًا بجذعه نحوها مرددًا :
- طبعًا عشان شطارتك يازهرة؛ امال هايكون عشان إيه تاني كمان !
توقفت قليلًا تنظر اليه بعدم فهم، وهو يبادلها النظرة بغموض؛ تود الجدال معه ولكن لا تملك الحيلة أو الطريقة أمام تحكمه وسيطرته، ثم مالبثت ان تتحرك لتجر أحباطها معها، وتستأذنه مغادرة :
- طب عن أذنك يافندم .
ذهبت من أمامه وهي تجزم بداخلها ان نظراته القوية نحوها تخترق ظهرها من الخلف ، حينما خرجت ولم تجد الفتيات سقطت على كرسيها الجديد تنفخ بعنف مرددة:
- أووووف ياساتر، دا إيه ابني أدم ده؟
استغفرت قليلًا قبل أن تستدرك عدم وجود الفتيات فالتفت برأسها تبحث في أنحاء المكتب مغمغة :
- ودول راحوا فين كمان ؟
................................

- خاينة، ونعمة ربنا طلعتي خاينة .
هتفت بها غادة نحو كاميليا بالغرفة الكبيرة الخاصة بحمام النساء، بعد أن اغلقنه عليهن، زفرت كاميليا ترد على اتهامها متحلية بضبط النفس:
- بلاش كلامك المستفز ده ياغادة، يابنت الناس انا مش عايزة اخسرك ، ساعة دلوقتي بحايل فيكي عشان افهمك وانت البعيدة دماغك فيها جزمة قديمة، بتهلفطي في الكلام، ومش مدياني فرصة اَخد نفسي حتى.
هتفت غادة ببكاء تنتحب أمامها:
- يعني حتى الكلام اللي طالع من قهري مش متحملاه مني ياكاميليا ، لدرجادي انا تقيلة عليكم ، تطبخوها مع بعض، انت تترقي وتسحبيها هي مكانك وانا زي الأطرش في الزفة تخبوا عليا عشان اعرف زيي زي الغريب، وبعد دا كله اطلع انا برضوا الوحشة.
هزت برأسها كاميليا تستوعب رد فعل غادة الغريب فقالت بدهشة :
- أطرش إيه وزفة ايه اللي بتتكلمي عنهم؟ وليه البكا من الأساس؟ بنت خالك صدر قرار ترقيتها مع قرار ترقيتي، في وقت واحد، يعني محدش فينا اتدخل مع رئيس الشركة وهو بيمضي على القرار.
اقتربت برأسها منها تردف بتشكك
- ياسلااام ، وانتِ بقى عايزاني اصدق الكلام ده ؟ طيب ترقيتك انتِ ومعروفة ، عادي يعني وبتحصل ، لكن ترقية زهرة في انها تتحط مكانك، تيجي ازاي دي بقى؟ يعرفها منين هو؟ حتة موظفة صغيرة مكملتش اربع شهور في الشركة.
- معرفش!
اردفت بها كاميليا وتابعت بقوة نحو غادة:
- صغيرة ولا كبيرة حتة، دي كلها حاجات تخص رئيس الشركة، وانتِ مش من حقك على فكرة انك تزعلي في حاجة زي دي، لأنها ماخدتش مكانك ولا جارت حقك....
- لا حقي ياكاميليا.
صاحت بها غادة مقاطعة بحدة وأكملت:
- حقي عشان انا اللي استحق ، انا شغالة في العلاقات العامة يعني انفع واجهة، انا زكية ولبقة مع الكل ، مش خيبة وبتكسف من خيالي زي صاحبتنا دي اللي بتتكعبل في هدومها لو حد كلمها.
اجفلت كاميليا وهي تعود برأسها للخلف تنظر اليها جيدًا بتمعن، مصدومة من ملامح وجهها التي أظلمت أمامها وتغيرت، وكأنها واحدة أخرى، سألتها غادة بنفس الحدة:
- إيه ؟ بتبصيلي كدة ليه واكني واحدة مجنونة قدامك؟
صمتت كاميليا قليلًا ثم ردت بهدوء مع ابتسامة مستخفة:
- بصراحة مستغربة ، انتِ معصبة نفسك وقالبة الدنيا، على وظيفة زهرة كانت رافضاها بكل قوتها، وقبلت بيها بالعافية في الاَخر بعد ضغط
- ننننعم !
صدرت من غادة رافعة طرف شفتها بازدراء اثار التسلية لدى كاميليا .
- والله زي مابقولك كدة ياقلبي، انا عن نفسي بقالي يومين بحايل فيها عشان تقبل واقدر انا بعدها ان امشي بقى واستلم وظيفتي الجديدة !
اردفت بها كاميليا مستمتعة بمشهد غادة التي توسعت عيناها بشدة وهي تنظر اليها بذهول مع تجمد ملامح وجهها بشكل يثير الضحك.
اجفلن الاثنتان على طرقة خفيفة قبل ان يندفع الباب وتدلف زهرة اليهم ، قالت مخاطبة إياهم رغم اندهاشها من هيئتهم :
- إيه الأخبار ؟ كل دا قافلين عليكم الباب وبتتخانقوا ؟
أومأت لها كاميليا بتعب وقبل أن ترد سبقتها غادة وهي تسأل زهرة رافعة حاجبها المرسوم بدقة:
- انت فعلًا يابت كنتِ رافضة الشغل مع جاسر الريان ؟
أجابتها زهرة غير مبالية:
- أه ياختي، وكان عندي استعداد كمان اسيب الشغل، بس اعمل ايه بقى؟ قبلت عشان مايتقطعش عيشي في المخروبة دي.
صرخت غادة بحريق اشتعل بداخلها نحوهم :
- ولما هو كدة والبرنسيسة بتدلع عالشغل ، محدش قال اسمي انا ليه؟ خبيتوا انتوا الاتنين عليا لييييه؟
انتفضت زهرة تلتصق بالباب خلفها واقتربت كاميليا منها تهتف بنفاذ صبر:
- وطي صوتك الله يخرب بيتك هاتفضحينا، انتٍ أيه يابنت انتِ مجنونة؟ ارسي على حيلك بقى وليكي عليا في اقرب فرصة ححاول انا بنفسي اتوسطلك على ترقية كويسة، حلو كدة؟
صمتت غادة تكتم غيظها مع استمرار تلاحق انفاسها الغاضبة وهي تحدق بهم، أجفلن فجأة على دوي صوت هاتف زهرة والتي فتحت بسرعة هروبًا من غادة على الرغم من عدم معرفتها بصاحب الرقم .
- الوو... مين معايا ؟
- الوو .. يازهرة انتِ فين ؟
فغرت فاهاها بصمت وهي تشير بسبابتها لكاميليا بدهشة نحو الرقم ، وقد علمت صاحبه من صوته الأجش .
اجفلها مرة أخرى بصيحته :
- بقولك انتِ فين يازهرة ما تردي؟
انتفضت ترد سريعًا بتعلثم :
- أنا في حمام السيدات يافندم، انت عايز حاجة؟
- لا تمام ، بس حاولي متتأخريش .
انهى المكالمة بعد أن ختمها بجملته الهادئة، فالتفتت زهرة قائلة بحدة :
- ودي عرف رقمي منين ده؟ هو انا لحقت اغيب دقيقتين عشان يتصل بيا يندهلي؟
لوحت لها كاميليا بكفها قائلة :
- دا شئ عادي يازهرة ، رقمك بيبقى عنده في الملف بتاعك ولا انتِ ناسية ، واحنا كدة كدة لازم نخرج بقى ونمشي، انا اساسًا متأخرة على الوظيفة الجديدة.
تحركن للخروج ثلاثتهم فغمغمت من خلفهم غادة بحنق :
- اتحركي ياختي انتِ وهي على وظايفكم الجديدة ، الله يسهل لعبيده .
التفت اليها كاميليا برأسها ناظرة بيأس من طريقتها ، اما زهرة فهتفت مرددة لها:
- خديها يااختي الوظيفة الجديدة مش عايزاها، قال اللي خدتوا القرعة تاخدوا ام الشعور بلا هم .
........................

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن