على أقدام جدتها كانت مستريحة برأسها، بعد أن أنهكها البكاء والجدال دون فائدة معه، نفذت طاقتها ولم تعد لديها قدرة على شئ ، سوى الإستكانة بحجر جدتها التي كانت تلمس على شعرها بحنان ، وبجوارها كانت جالسة كاميليا التي لم تقوى على المغادرة وترك صديقتها بهذه الهيئة الغير مطمئنة، خيم الصمت ولم تعد سوى اصوات انفاسها الهادرة بالقهر مما حدث .
- مساء الخير.
هتفت صفية بالتحية بعد أن ولجت فجأة اليهم بداخل الشقة المفتوح بابها كالعادة، فاستطردت بقلق حينما لم يرد أحد وقد انتبهت لهيئتهم الغير مطمئنة:
- في إيه ياجماعة مالكم؟ حصل حاجة؟
تنهدت زهرة ترفع أنظارها إليها كما فعل الجميع وتجيبها بصوت متحشرج من أثر البكاء :
- إيه ياصفية؟ هو انتِ ماحدش قالك ؟
- قالي إيه بالظبط ؟ انا واصلة من درس الأحياء حالًا ، دا انا حتى معدتش على بيتنا عشان قولت اجي اذاكر عندك هنا على طول .
قالت صفية وهي تجلس على أقرب مقعد وجدته أمامها:
- أمممم
صدرت من زهرة بتهكم وكان الرد من رقية :
- ابوكي سرق الفلوس اللي بعتها خالد امبارح من سفره ياصفية واداها لفهمي، سداد لدينه .
- يانهار اسود ، دا حصل امتى وازاي ؟ وعرف منين أساسًا ؟
هتفت صفية وهي تضرب بكفها على صدرها بجزع ، ردت كاميليا من ناحيتها :
-اهو دا اللي حصل بقى يا صفية، والدك عرف مكان الفلوس واتسحب أخدهم من الشقة بعد زهرة ما مشيت على شغلها ؟
تسائلت مرة أخرى بعدم تركيز:
- أيوة بس عرف ازاي ؟ دي زهرة امبارح كانت متبتة على الشنطة ونبهت ان محدش يجيب سيرة خالص و..
قطعت صفية جملتها وقد وعت اَخيرًا لموقفها ، انتبهت عليها زهرة فاعتدلت بجذعها تسألها بتوجس:
- انتِ اللي قولتِ قدام ابوكي ياصفية؟
نفت على الفور:
- لا والله ياابلة انا بس ....
- بس إيه؟ كملي يااختي واتحفيني ، ماانا كان لازم اعرف من البداية ان انتِ الوحيدة اللي ممكن تطلع السر مابينا .
هتفت بها زهرة غاضبة وهي تشير بيدها على أربعتهم، ردت صفية بدمعة ساخنة :
- والله ياابلة ماقولت قدام حد تاني غير أمي ودي انتوا عارفينها كويس، دي بتتمنالكم كل خير وبتحبكم.
أكملت رقية على قولها بتأكيد:
- سمية بنت حلال، لا يمكن تعمل حاجة زي دي .
سألتها زهرة بحدة :
- انتِ قولتي لامك امتى يابت.؟
أجابت صفية وهي تمسح بظهر يدها الدموع المتساقطة على وجنتيها:
- الصبح كدة قبل ما اروح على مدرستي، بعد هو ماخرج وراح على ورشته، كنت معاها في الأوضة لوحدنا رغينا مع بعض شوية وهي بتطبق الهدوم، دا حتى البيت كان فاضي علينا واخواتي الصغيرين كانوا سبقوني على مدرستهم .
اغمضت زهرة عيناها بتعب وردت كاميليا من ناحيتها :
- كدة اتفهمت ياصفية، يبقى والدك بعد ما اتخانق مع زهرة عالسلم دخل وسمعكم ، ونفذ بوقتها على طول.
أجهشت صفية بالبكاء تردد بندم:
- ياريت كان اتقطع لساني قبل ما انطق ولا اقول كلمة حتى .
- بس الله يخليكي انا مش ناقصة، انا فيا اللي مكفيني.
هدرت بها زهرة بعدم تحمل، فردت كاميليا ملطفة:
- خلاص ياجماعة اللي حصل حصل ، خلينا في اللي جاي دلوقتِ، عايزين نشوف صرفة نسدد بيها اقساط الشقة .
قال زهرة بيأس:
- هانلحق امتى بس نجمع ولا نسدد ياكاميليا ؟ دا احنا داخلين عالشهر السادس، يعني المطلوب هايبقى ٦٠ الف دا اذا صاحبنا مافسخش العقد زي مابيهدد على طول .
اردفت كاميليا:
- ماهي المشكلة بقى اننا في اَخر الشهر ، يعني لو في أوله كنت جمعت انا أي مبلغ معاكم ونكملهم حتى لو قسط واحد نسكت بيه الراجل صاحب البيت أو السمسار دا كمان .
هتفت رقية ردًا على حديث الفتاتين :
- ولا تجمعوا ولا تزفتوا ، خالد راجل ويتحمل يعني لو.....
قاطعتها زهرة بحدة صائحة بتهديد:
- والنعمة لو عملتيها يارقية وقولتيله لكون سايبالك البيت وهاجة واحلف ما اخليكِ تشوفي وشي تاني .
تخصرت لها رقية تهتف :
- نعم ياعين ياستك؟ امال عايزاني اشوفك يابت في الوحلة دي وافضل ساكتة؟ ولتكونيش ياختي هاتنطسي في عقلك وتوافقي على هباب البرك فهمي عشان تردي فلوس خالك؟ دا انا ادفنك مكانك يابت.
هزت برأسها لتنفي بتعب ولكنها أجفلت على سؤال كاميليا:
- صحيح يازهرة انت مقولتليش رديتي عليه بأيه الراجل ده بعد ماعرض عليكِ العرض اللي زي وشه ده.
هزت كتفيها تجيبها بابتسامة مريرة ساخرة :
- يعني كنت هاقوله إيه ؟ اذا كان ابويا نفسه هو اللي غدر بيا، مشيت طبعًا من غير كلام .
ابتلعت رقية كلماتها الحادة بعد أن اللجمتها حفيدتها بالحقيقة المرة ، هتفت صفية من جهتها تسألها:
- هو ابن ال...... عرض عليكِ إيه بالظبط؟
اجابتها كاميليا على الفور:
- عرض عليها ياستي انه يرجع لها الفلوس وعليهم كمان خمسين الف زيادة في مقابل انه يبقى مهرها من جوازه بيها .
جزت صفية على أسنانها تردد بسبة :
- يا ابن الكل...........
- مافيش منها فايدة الشتيمة ياصفية .
تفوهت بها زهرة وهي تعود لتلقي برأسها التي ثقلت من الصداع على حجر جدتها فخاطبتها كاميليا :
- طب احنا مش هانشتم يازهرة ، لكن الحل ايه بقى؟
تنهدت بثقل تجيبها :
- ربنا يحلها من عنده بقى ؟ ومن هنا لبكرة ماحدش عارف ربنا كاتب إيه؟
.....................................
أنت تقرأ
نعيمي وجحيمها
Chick-Litفتاة متواضعة الحال لا تملك في الحياة سوى برائتها وأحلام وردية قد تكون عادية لكل الفتيات ولكن بالنسبة لها وبالنظر لظروف معيشتها الصعبة بعيدة المنال؛ وجدت نفسها فجأة محاصرة من متجبر يملك السلطة والقدرة اخضاع الغير، مع المال الذي يشتري به كل شئ، اذا ما...