الفصل الثاني

90.6K 1.9K 46
                                    

واقفة باعتدال وأناقة، فاردة ظهرها بعزة، من يراها لايصدق أنها مولودة في حارة، فملابسها المهندمة وأسلوبها الراقي في التعامل يعطي صورة مثالية لكل فتاة طموحة مثلها، جاهدت وثابرت لكي تصل لهذه المكانة، في شركة عريقة مثل هذه ومع رجل كعامر الريان، لا يرحم ولا يتساهل بعمله، رغم طيبته ومودته الدائمة لها؛ كانت ممسكة بإحدى الملفات، تنتظر انتهاء رئيسها ورئيس الشركة كلها من مراجعة إحدى العقود قبل أن يمضي بقلمه عليه، رفع رأسه إليها سأئلًا بملل:
- هو انت عايزة الإمضة ضروري النهاردة؟
تبسمت بدهشة قائلة :
- مش انا اللي عايزة ياعامر بيه، دا الشغل هو اللي عايز !
عوج فمه بفكاهة وهو ينظر لورق العقود أمامه على المكتب قبل أن يعود اليها قائلًا:
- بس النصوص اللي في العقد ده كتير قوى، وحاطين شروط كمان ورغي كتير، لا بقولك إيه؛ انا زهقت .
ختم جملته وهو يدفع بملف العقد امامه على المكتب ناحيتها، ضحكت هي بعدم تصديق :
- الله، امال مين بس اللي هايمضي ياعامر بيه؟ اجيب حد من الشارع يعني يمضي مثلًا؟
- وتجيبي من الشارع ليه ياستي؟ هو انا ماعنديش ولاد بقى عشان يمضوا ويشيلوا عني؟
قطبت سائلة بدهشة:
- ولاد! انت قصدك إيه ياباشا؟
أجابها وهو يخلع نظارته ويجيبها منتهدًا بتفكير:
- قصدي اني كبرت يا كاميليا ومعدتش عندي صحة
للضغط زي زمان.
حركت رأسها بعدم فهم فتابع :
- انا قررت استسلم لزن مراتي ياكاميليا واسافر اوروبا اخدلي أجازة طويلة شوية وبالمرة أكمل علاجي في المانيا.
- طب والشغل ياعامر بيه، مين اللي هايقوم بيه؟
سألت بحيرة ، أجابها :
- ماهو دا اللي كنت عايز افاتحك فيه من الاول يا ست كاميليا ، بصراحة كدة انا عايزك تشدي حيلك شوية في الشغل الفترة اللي جاية، لأن الشركة هاتبقى من ضمن المجموعة اللي بيديرها جاسر ابني، وانتِ عارفة ابني بقى وقته قليل ومسؤلياته كتير.
تمتمت كاميليا بذهول أمام الرجل:
- جاسر بيه! بس دا عصبي جدًا والشغل معاه صعب أوي كمان.
ضحك الرجل مخاطبها:
- وافرضي بس انه عصبي والشغل معاه صعب كمان؛ انتِ قدها ياكاميليا ولا انت معندكيش ثقة في نفسك.
اومات له تتصنع الأبتسام وهي تغمغم بداخلها:
- وأنه ثقة دي اللي تنفع مع ابنك؟!
................................

تلعثمت الكلمات بفمها بعد أن ضاع تركيزها ونست ما كانت تفعله منذ ثوانيٍ قليلة، قبل أن يجفلها هو بدلوفه إليها وسؤالها بتشكك، قلبها يضرب بقوة داخل أضلعها، تشعر ببرودة تجتاح أطرافها خوفًا من هذا الرجل الواقف أمامها بصمت وملامح وجهه المغلفة بغموض وتجهم، تشعرها وكأنها متهمة ويجب عليها اثبات براءتها:
- بتمأمأي ليه ماتردي؟ انتِ مين وبتعملي هنا إيه ؟
أجابت سريعًا:
- انا زهرة سكرتيرة الأستاذ مرتضى حسنين مدير الحسابات، كنت جاية اشوف صاحبتي وماشية على طول اهو والله.
سألها بتجهم رافعًا حاحبه الإيسر بشر :
- ولما انتِ سكرتيرة مرتضى، بتعملي ايه في الملفات هنا في الشركة وكاميليا مش موجودة؟
- أقسم بالله ماهو ملف ولا مستند حتى؟
صرخت بها تدافع عن نفسها وتابعت وهي تناوله الورقة التي تذكرتها اَخيرًا بعد أن رأت نفسها في موضع اتهام بالفعل .
نظر هو للورقة سريعًا ثم عاد اليها يردف باستنكار:
- قسمة مطولة! ليه بقى؟ هو احنا في حصة حساب هنا ولا في شركة محترمة؟ ايه لعب العيال ده؟
صرخته بالاَخيرة جعلت قلبها يكاد أن يتوقف من الخوف فخرج صوتها بقوة رغم اهتزازه :
- مش انا اللي بلعب على فكرة، دي مسألة ادتهاني كاميليا تخص اخوها ميدوا في تالتة ابتدائي، قالتلي اساعدها في حلها عشان تراجعها هي لاخوها بعد كدة...
قاطعها بحزم سائلًا:
- وانت بقى سايبة شغلك في الحسابات عشان تيجي تساعدي كاميليا واخوها هنا؟
هتفت بعدم سيطرة:
- انا مش سايبة شغلي ولا حاجة، انا جيت وشوفت صاحبتي في البريك عادي يعني، واديني ماشية اهو قبل ماينتهي كمان.
- أستني عندك
اوقفها هادرًا بمجرد ان تحركت أقدامها وأكمل
- تخرج كاميليا الأول واتأكد من صدق كلامك، وبعدها بقى ممكن اسمحلك تنصرفي.
تماسكت تقف محلها كما أمرها هذا الرجل المرعب، تمنع قدميها بصعوبةمن السقوط وبداخلها تناجي ربها لخروج كاميليا اليها بسرعة.
سألها فجأة مضيقًا عيناه :
- انتِ البنت اللي اتصدرتِ قدام العربية الصبح واتخانقتي مع عبده السواق؟
رغم دهشتها من تذكره لها ليضيف اليها اتهام اَخر وهي تجزم بداخلها انه لم يكلف نفسه عناء الإلتفاف نحوها،  تمكنت من الإجابة نافية تدافع عن نفسها:
- مش انا اللي اتصدرت على فكرة، سواقك هو اللي كان هايدوسني وهو اللي شتمني كمان من غير مااعمله حاجة.
هز برأسه قائلًا بابتسامة مستخفة:
- يعني انتِ كمان بتجيبي اللوم على السواق مش على نفسك، على العموم كاميليا خارجة دلوقتي، واما شوف حكايتك ايه،
تكتفت بذراعيها ورفعت ذقنها للأمام تنتظر خروج كاميليا بثقة، رغم النيران المشتعلة داخلها، فرد نفسه هو يضع يديه بجيبي بنطاله وسترته عائدة للخلف،  يحدق بها ويتفحصها جيدًا، من حجابها الطويل على غير عادة الفتيات في شركاته، ملابسها الفضفاضة بشدة، وجهها البيضاوي، ملامح عادية لفتاة جميلة لاتختلف كثيرًا عن معظم الفتيات، سوى انها لا تضع شئ من مساحيق الجمال، حتى كحل عينيها التي لم ترفعهم اليه جيدًا ليتحقق من لونهم، رموشها السوداء الطويلة تبدوا طبيعية كباقي ملامح وجهها، انفاسها تعلو وتهبط بأضطراب أو غضب لا يعلم،
وهي واقفة بتململ من نظراته المتفحصة وعيناها التي لا ترفعهم كالعادة بوجه أي رجل غريب، كانت تتنقل مابين النظر الى باب المكتب الكبير، او الإلتفاف نحو أي شئ في الغرفة، إلا هو.
التفت الإثنان فجأة على فتح باب المكتب الكبير وخروج كاميليا التي سألتهم بإجفال من هيئتهم المتخفزة:
- في إيه؟ هو إيه اللي حصل؟
...............................

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن