ممسكة بطبق الحلوى الذي أعطته لها كاميليا؛ تتناول منه نادرًا، مع اندماجها في الحديث المرح مع ابنة حارتها والتي كانت جارتها سابقًا، قبل ان تنتقل مع عائلتها الي شقة أجمل وبمنطقة أهدى عن منطقتهم الشعبية العتيقة، بحديث مسلي انساها ماأخافها سابقًا وتسبب في توترها، انتفضت فجأة تكتم شهقة كادت أن تخرج منها حينما أجفلتها غادة بوضع يدها على خصرها من الخلف، هامسة بميوعة اثارت الحنق لدى زهرة:
- اَخيرًا جيتي يازوزو؟
طافت زهرة بعيناها على باقي الموظفين حولها بقلق قبل أن تعود إلى غادة قائلة من تحت أسنانها:
- دي عملة تعمليها؟ عايزاني اصرخ من الخضة واتفضح وسط الناس اللي ماليها اول ولا اَخر دي؟
ردت غادة بسماجة أذهلتها:
- وماله ياقلبي، على الأقل بكدة هانبقى نجوم الحفلة بدال ما احنا تايهين كدة في الزحمة وماحدش شايفنا، ولا إيه ياكاميليا؟
كاميليا وهي تنظر اليها بدهشة وابتسامة اعتلت وجهها:
- يخرب عقلك، دا انتِ مجنونة بجد، بقى هي دي فكرتك عن لفت الإنتباه ؟
- اعمل إيه بس يابنات ماانا غُلبت.
هتفت بها قبل ان تتدراك نفسها وتخفض صوتها وكأنها تخبرهم سرًا:
- بقى مش صعبان عليكم بالذمة؟ الصالة اللي بتشغي بالبهوات والناس النضيفة دي، نطلع منها كدة من غير مانستلقط واحد منهم .
كتمت زهرة بكف يدها شهقة أخرى كادت ان تخرج منها، مصعوقة من جرأة ابنة عمتها، أما كاميليا فالتي ارتفع حاجبيها واهتزت رأسها رددت بعدم استيعاب:
- انا قولت مجنونة وربنا، انتِ فعلًا مجنونة يابنتي.
لوت فمها مرددة هي الأخرى:
- مجنونة مجنونة، بس انول اللي في بالي .
استسلمن الفتاتين لعدم الجدال معها وفضلن الرد عليها بالصمت؛ يبتسمن لها بيأس، حتى أنتبهن على من أتى بالقرب يلقي التحية عليهن .
- مساء الخير يابنات .
ردت زهرة و رددت كاميليا خلفها التحية لعماد، الذي رمقته غادة من منبت شعره حتى أخمص أقدامه وهو يتحدث الى زهرة بلطف كعادته مع بعض التلجلج :
- ااا أنا قولت اشوفكم يعني، لو محتاجين أي حاجة في الدنيا الزحمة دي؟
قالت زهرة بخجل.
- لا متشكرين ياأستاذ عماد، ربنا يخليك.
- يعني بجد مش محتاجين أي حاجة؟ أنا تحت الخدمة؟
كرر عماد متمعنًا النظر الى خجلها باستمتاع، فقطعت غادة عليه اللحظة قائلة بحدة .
- ماقالتلك مش محتاجين حاجة ياأستاذ، متشكرين ياسيدي، ولما نحتاجك هانبقى نقولك .
انسحب مرددًا بإحراج:
- طيب تمام، اَسف ياجماعة لو ازعجتكم .
نظرت الفتاتين في أثره وهو يبتعد عنهم بأسف، فخاطبتها كاميليا بلوم:
- حرام عليكِ ياغادة، ليه أحرجتي الراجل، كان يكفي أنك تردي عليه ببعض الزوق .
- هي كدة غادة، اي حد طيب او غلبان بتعتبره مايستهلش التعبير حتى.
قالتها زهرة بحزن، لم يؤثر في غادة التي مصمصت بشفتيها مستنكرة.
- قال غلبان وطيب! هي ناقصة تلزيق وتناحة يااختي انتِ وهي، اقولكم؛ أنا ماشية وسايبهالكم، اروح لزميلات الفرفشة احسن، البنات الحلوة اللي بتقدم الحلويات والساقع هناك دي، بلا وكسة.
راقبنها وهي تبتعد عنهم وتذهب لتنضم لفريق البنات المضيفات، كي تقترب وتحتك بالموظفين الكبار ، فقالت كاميليا :
- ماتزعليش منها يازهرة، بنت عمتك طاقه وانتِ عارفاها.
- عارفة والله انها طاقة، بس انا بيصعب عليا الناس اللي بتحرجهم؛ خصوصًا لما يكون راجل محترم زي استاذ عماد و.......
قطعت جملتها وهي ترتد بعيناها نحو كاميليا مرددة:
- ياساتر يارب الراجل ده بيبصلي كدة ليه؟
- راجل مين؟
سألت كاميليا وهي تشرئب بأنظارها نحو الجهة التي اشارت اليها زهرة، فوجدت رئيسها الجديد ينظر نحوهم بتجهم ووجه عابس، قطبت مندهشة فقالت:
- تلاقيه بس عايز مني انا حاجة، مش لازم تكوني انتِ المقصودة يعني؛ انا هاروح اشوفه.
اوقفتها متشبثة بذراعها تردف بخوف؛
- لا والنبي ياكاميليا ماتسيبنيش لوحدي، ثم ان هو لو عايزك هايبعتلك، عشان خاطري ماتمشيش، دا انا حاسة بنظراته بتخترق ضهري من ورا، انا مش فاهمة هو بيعمل معايا كدة ليه؟
ربتت كاميليا على كف يدها المطبقة على ذراعها بغرض تهدئتها:
- طب خلاص اهدي كدة وماتكبريش الموضوع، جاسر بيه هو دا طبعه من الأساس على فكرة؛ دايمًا مكشر وحواجبه كدة مقلوبة تمانية، على العموم هو بِعد بنظره وجاتله مكالمة تلهيه عننا.
- والنبي بجد؟
قالت زهرة وهي تلتفت مرة أخرى نحوه، تنفست الصعداء فور أن رأته أعطى ظهره لها، أردفت مخاطبة كاميليا :
- طب خلينا نمشي بقى!
....................................
وفي الجهة الأخرى
ابتعد عن باقي الموظفين ودلف لمكتبه حتى يستطيع أن يتابع المكالمة التي أتته بغتةً من والدته، صفق باب الغرفة بقوة وخرج صوته بحرية:
- كنتِ بتقولي إيه بقى ياماما؟ سمعيني تاني كدة.
- بقولك ياحبيبي ميرا رجعت النهاردة الصبح من رحلتها.
اومأ برأسه وكأنها أمامه قائلًا بسخرية؛
- ااه ، طب وانا مالي بقى ان كانت رجعت ولا مرجعتش حتى، بتتصلي بيا ليه؟
وصله صوت والدته المصدومة:
- ازاي بس انت مالك يابني؟ دي مش مراتك دي؟ طب حتى عشان تتفاهموا.....
قاطعها بحدة سائلًا :
- ممكن اعرف انتِ بتتصلي تبلغيني ليه ياماما؟
- ياحبيبي انا باتصل عشان بس تعمل حسابك وماترجعش متأخر زي كل يوم.
ضغط على شفتيه يهز برأسه يائسًا قبل أن يرد منهيًا الجدال:
- تمام انا فهمت ياماما، اقفلي بقى دلوقتي انتِ عشان انا معايا شغل.
- يعني هاتتصالحوا ياجاسر ؟
ضغط على أسنانه كابحًا غضبه:
- طب معلش ياماما قفلي بقى وانا هابقى أكلمك من تاني ماشي، سلام بقا.
نهى المكالمة وخرج سريعًا من غرفة مكتبه لينضم الى والده ومن يعملون معه بالشركة في تجمعهم للإحتفاء به، بمناسبة تقلده لمنصب ادارتها، ذهبت انظاره تلاقئيًا لمكانها على الفور فلم يجدها ثم طاف بعيناه على جميع الوجوه فلم يجدها أيضًا، اقترب من والده يهمس سائلًا:
- هي كاميليا راحت فين ياوالدي؟ أنا مش شايفها يعني.
اجابه عامر:
- كاميليا استأذنت ومشيت، هو انت كنت عايز منها حاجة؟
لوح بكفه نافيًا بصمت وهو يتراجع للخلف، وقد أصابه الإحباط بعد أن فقد اللون الوردي بزهرته التي بعثت على يومه بعض البهجة التي افتقد الشعور بها منذ سنوات.
.................................
أنت تقرأ
نعيمي وجحيمها
ChickLitفتاة متواضعة الحال لا تملك في الحياة سوى برائتها وأحلام وردية قد تكون عادية لكل الفتيات ولكن بالنسبة لها وبالنظر لظروف معيشتها الصعبة بعيدة المنال؛ وجدت نفسها فجأة محاصرة من متجبر يملك السلطة والقدرة اخضاع الغير، مع المال الذي يشتري به كل شئ، اذا ما...