الفصل الثالث والخمسون

65.9K 1.6K 67
                                    

تتطلع إلى المرأة بتمعن شديد ، لتتبع اَثار الدموع التي تركت بصمتها على ملامح وجهها في الإحمرار والإنتفاخات العديدة به، رغم غسله بالماء والصابون جيدًا، لقد اتصلت بوالدتها تخبرها بحجة وهمية عن تعبها الذي اضطرها للمببت في منزل صديقتها التي لا تعرف بأرقام أهلها حتى تطمئنهم عليها، ولكن ولمعرفتها الشديدة بطبع والدتها الحاد تعلم أن ما ينتظرها في المنزل ليس بالهين.
- إنتِ خلاص هتمشي وتسيبينا؟
تفوهت بها الصغيرة من خلفها بصدق مشاعرها البريئة، لُتظهر محبة من القلب دون تزيف، رغم معرفتها العابرة بها، مما استرعى انتباهها فجعلها تترك المراَة لتجلس بجوارها تسألها:
- ليه يا قمر؟ هو انتِ عايزاني ابات عندكم من تاني؟
هللت الطفلة بلهفة تقول برجاء:
- ياريت تباتي عندنا على طول، تنامي جمبي هنا ع السرير التاني أو ممكن تباتي مع خالي في أؤضة لوحدكم.
تطلعت لها بدهشة لتعاود سؤالها با ستغراب:
- إنتِ ليه بتقولي كدة؟ وجيبتي منين الفكرة دي؟
- أممم.
زامت بفمها الذي اغلقته، تحرك رأسها بتلاعب وقد ارتسم على وجهها ابتسامة بشقاوة، لتحثها غادة على المواصلة:
- سكتي ليه يا روان ومش عايزة تجاوبي على سؤال طنت؟
افتر ثغر المذكورة بالضحك تُشير بكفها نحوها:
- أصل انت مش باين عليك طنت خالص، دا خالوا لما دخل بيكي امبارح وهو شايلك على كتفه، كان شكلك زي البيبي ههه
تبسمت بخفة تجاريها رغم زحف القلق إلى قلبها، فانتظرت توقف الطفلة عن الضحك قبل أن تسالها بتوجس:
- هو انا كان شكلي إيه إمبارح يا روان لما دخلت عليكم؟
كورت شفتيها روان بعدم معرفة لتُجيبها:
- انا مش فاكرة غير وهو خالو شايلك، أصله دخلك الأوضة هنا وخرج لنا على طول ، ماما هي اللي قعدت شوية معاكِ وبعدها سابتك تنامي .
اومأت برأسها غادة وقد تخلل داخلها بعض الإرتياح الذي جعلها تنهض لتكمل تجهيز نفسها حتى تغادر بصحبته وصحبة شقيقته الطبيبة التي أصرت لمرافقتها في مقابلة إحسان.

❈-❈-❈

تملك منها الغيظ لعدم اكتراثه بغضبها وتغافله المتعمد لعدم الرد عليها، فعلى صوتها بالهتاف هذه المرة :
- رد عليا يا كارم وانا بكلمك، مين اللي سمحلك تدخلي الأوضة هنا ؟
- دخلت لوحدي.
قالها ببساطة وجالت عينيه على أركان الغرفة يتأملها ببرودٍ زاد من ذهولها وتأجج احتقانها منه ولكن وقبل أن تنفجــ ر بوجهه سبقها بقوله:
- بس استئذنت من رباب الأول.
- يعني رباب هي اللي دخلتك هنا؟
هتفت بها بلهجة خطرة لتتحرك نحو الباب تبتغي الخروج لتأديب شقيفتها وتوبيخها على حماقة فعلها، فتفاجأت به يتصدر أمامها يوقفها:
-خارجة ورايحة فين يا كاميليا؟ هو انا قربت جمبك ولا لمستك حتى.
قال الاَخيرة متعمدًا لمسها بكفيه على ذراعيها المكشوفين بمناكفة صريحة جعلتها تنفض ذراعيها وترتد للخلف على الفور لتهدر به :
- متعصبنيش يا كارم وتخرجني عن شعوري ، انا مش عايزة اعلي صوتي عشان والدي ما يسمعش ويبقى منظرك مش كويس.
قصدت بتهديدها التقاط الجزء الحساس بشخصيته ألا وهو صورته البراقة أمام الناس والتي يحرص بشدة عليها، فعبس وجهه على الفور يرد بلهجة جامدة خالية من العبث:
- أولاً انا محدش يقدر يشوه صورتي قدام حد، لأني عارف حدودي كويس، دا غير إني ملمستكيش ولا هددت أمانك بأي فعل يخليكِ تصرخي على والدك ولا أي حد من اخواتك، كل اللي عملته هو حب فضول إن اشوف اوضتك وأشوفك بلبس البيت على طبيعتك ، وافتكر إن دا شئ بسيط جدًا يا زوجتي العزيزة.
ضيقت حاحبيها سريعًا تستوعب عبارته الاَخيرة قبل أن ترد عليه بانفعال :
- مية مرة أوضحلك يا كارم إني لسة ما بقتش في بيتك عشان أحظى باللقب الكريم، إحنا دلوقتي في حكم المخطوبين، أينعم في عقد قران، لكن لسة برضوا مخطوبين
صمت لبرهة يرمقها بثاقبتيه، فاردًا نفسه أمامها ليضع كفيه بجيبي بنطاله أسفل السترة ورد بعد تنهيدة طويلة:
- ومع ذلك ما فيش في مرة خلتيني اقربلك، رغم إن الحاجات دي بتحصل مع أي اتنين بيحبوا بعض مش بس المخطوبين.
- إنت بتقول إيه؟
هتفت بها بعدم استيعاب قبل أن تفاجأ بدفع الباب من الخارج، ليلج منه شقيقها الصغير، خاطفًا نظرة سريعة نحوها، قبل أن ترتكز عينيه على كارم بصمت أبلغ من الكلمات  ثم أردف باقتضاب:
- ازيك يا عمو.

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن