الفصل السادس والأربعون

69.4K 1.7K 64
                                    

بعد أيام طويلة من الخوف والقلق تعدت الأسبوعين، تحسنت حالة عامر تدريجياً وقد ساهم خبر حمل زهرة، في التعجيل في هذا التحسن، كان جالسًا بنصف نومة على سريره يسند ظهره بوسادة من الخلف، حينما ولجت إليه زوجته بوجه مشرق وابتسامة اعتلت ثغرها الجميل، لتخاطبه بفرح:
- صباح الخير يا جميل، عيني باردة عليك، صحتنا أتحسنت اهو وخلعنا قناع التنفس كمان.
أومأ برأسه لها متمتمًا بكلمات الحمد بابتسامة مجاملة شعرت بها، فقالت له معاتبة:
- إنت لسة متغير مني يا عامر؟ بعد كل اللي مرينا بيه ده وقلبك لسة محنش؟
اقتربت منه لتكمل بنبرة متألمة فغضب زوجها هذه المرة طال وفاق قدرة احتمالها، وهي التي اعتادت منه في كل شجار لهم على مدى سنين زواجهم ان يكون هو المبادر للصلح حتى لو كانت هي المخطئة:
- إنت عارف كويس يا عامر إني مقدرش اعيش من غيرك لا اتحمل جفاك ده معايا، ليه بتزيد بقى وتقسى عليا كدة؟
أغمض عينيه متنهدًا بقنوط قبل أن يفتحهم ليواجهها بقوة مع هذا البريق الحاد بهم ويرد بما يعتمل بداخله منها وقد فاض به ولم يعُد به طاقة للتحمل.
- وانتِ كمان متأكدة من حبي ليكِ اللي خلاني اصبر على دلعك من ساعة جوازنا واعديلك أخطاءك، بل بالعكس بقى، دا انا طول الوقت بحاول اَجي على نفسي وارضيكِ، لكن خلاص بقى يا لميا الصحة معادتش فيها، انا تعبت بجد
قال كلماته الأخيرة بأنفاس متهدجة أظهرت مدى معاناته فلحقته هي بقولها:
- طب قولي اعمل إيه عشان ارضيك وانا هانفذ على طول، قول يا حبيبي اعمل إيه عشان اشوف نظرة العشق في عنيك مرة تانية، قول يا عامر دا انت ابويا اللي بتدلع عليه واخوها اللي بتمتع بحنيته، وجوزي اللي بتسند عليه قدام الدنيا كلها.
امتد فمه المطبق بشبح ابتسامة مع قولها الذي يُسعد أي رجل إذا سمعه من زوجته، ولكنه رد بلهجة حازمة إليها.
- أنا مش عايز حاجة خاصة منك يا لميا، انا عايزك تحسني علاقتك مع ابنك ومرات ابنك، اتقبلي زهرة يا لميا، دا كفاية انها هتبقي ام حفيدك اللي بنترجاه من الدنيا، طب حتى افتكريلها تعبها معانا طول الأيام اللي فاتت رغم حملها.
زمت فمها وبدا على ملامح وجهها الإعتراض، وقالت بعند وهي تشيح بعينيها عنه:
- الأيام اللي فاتت كانت صعبة ع الكل مش هي بس على فكرة، وكلنا تعبنا ولا انت شوفتها هي ولا ما شوفتنيش انا؟
رد عامر كازا على أسنانه:
- لسه برضوا بنتكري ومش عايزة تديلها حقها، طب انتِ مراتي ودا واجبك، لكن هي بقى مرات ابني، يعني اَخرها زيارة عادية وخلاص، عاملي زهرة كويس يا لميا، دا البنت طيبة وزي النسمة تتحط ع الجرح يطيب. .

احتدت نظراتها وهي تعود بالخلف تتأمله جيدًا، لا تصدق أن زوجها أيضًا وقع اسير هذه البراءة الخادمة لهذه الفتاة، ألا يكفي ابنها الذي اصبح لا يرى أحدًا سواها وكأنها الملاك الذي نزل على الأرض بالخطأ، فقالت بتهكم:
- ما تقول فيها شعر كمان يا عامر، انا مش فاهمة إيه اللي جرالك إنت وابنك، عشان تتعلقوا بالبنت دي وتنسوا أصلكم ومركزكم الإجتماعي وسط البشر والعالم كله؛ اللي بتراقب كل تفاصيل حياتكم، وبينتقد كل كبيرة وصغيرة تعملوها؟
أجابها مشددًا على حروف كلماته غير مبالي بثورة غضبها، ولا بهذا المنطق الذي تتحدث به متشدقة:
- أرجع تاني واقولك، دي مرات ابنك وهتبقى أم أحفادك قريب، وحكاية اني حبيت البنت أو اتعلقت بيها، وانتِ عايزة دا ما يحصلش ليه بقى؟ وانا شايف فرحة ابني وراحته معاها، والوسط اللي انتٍ فرحانة بيه ده؟ ما احنا كل يوم بنسمع عن فضايح وخيانات بالكوم فيه، لكن انتِ ابنك اتجوز على سنة الله ورسوله مع اللي شاف راحته معاها، زي ما في ناس كتير بتعملها برضوا بس في السر، إنما نحن ابننا راجل وما بيخافش من حد عشان يعمل حاجة في السر
صمتت تتأكل من الغيظ وقد ألجمها بكلماته المنتقاة بدقة، فقالت متهربة:
- ع العموم كل واحد حر في حياته، المهم بقى، انا جهزتلك كل حاجتك، عشان نروح مع بعض
- لا انا مش هاروح دلوقت، هستنى حبتين على ما يجي جاسر.
قالها على الفور، وردت هي مستفسرة:
- وهتستنى جاسر ليه بقى؟ إذا كان هو أصلًا مجاش النهاردة.
تحمحم يجلي صوته بتوتر يكتنفه الاًن قبل إخباره بما انتواه مع ابنه، لعلمه الاَكيد، كم هذا سيغضبها فقال بارتباك:
-  أصلي ناويت اروح معاه....... اقضي فترة علاجي عنده.
- تروح فين؟
صاحت بها غير مكترثة لصوتها العالي ومكانتها الإجتماعية في مشفى كبير كهذا، لتكمل بعدها:
- إزاي يعني ياخدك عنده؟ وانت تروح ليه بيته من الأساس وبيتك راح فيين؟
أغضبه صياحها ليزيد بداخله احتقانه منها، فذهب عنه توتره، ورد حازمًا يمنع عنها فرص الجدال بأسلوب تعلمه جيدًا حينما يأتي لاَخره:
- عنده ولا معندوش، أنا قررت ومش هارجع في كلامي، ومحدش له حاجة عندي عشان يمنعني .

نعيمي وجحيمهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن