تصعد درج منزلهم وهي تغني مبتهجة، غير عابئة بثقل ما تحمله ذراعيها ولا بالمبلغ الكبير الذي أضاعته في هذه المشتريات العديدة، ولجت لداخل المنزل بعد ان فتحت الباب بمفتاحها، فوصل صوت غناءها الى والديها الجالسان في وسط المنزل أمام شاشة التلفاز،
رمقتها إحسان بنظرات متفحصة وهي تقترب لتقبلها من وجنتيها المكتنزتين، وتُلقي التحية نحوهم.
- مساء الفل عليكم، عاملة إيه ياقمر؟
ردت إحسان من تحت درسها:
- كويسة ياختي، انتِ بقى ياحلوة واصلة متأخرة من شغلك ليه؟ وأيه الكياس الكتيرة اللي في إيدك دي؟
ردت غادة مبتسمة وهي تتلاعب في سلسلة مفاتيحها:
- دا كام طقم خروج على جزمة جديدة وكام ازازة ريحة كدة من الغالين .
رددت خلفها إحسان بسخرية:
- كام طقم خروج على جزمة جديدة وكام ازازة ريحة من الغالين، وضيقتِ على نفسك ليه ياحبيبتي؟ ماكنت كملتيهم بكام جزمة جديدة على كام شنطة كمان .
تدخل شعبان والدها أيضًا:
- أو كان جابت المحل كله، هي خسرانة حاجة، مدام في طور غيرها بيصرف على البيت .
التفتت غادة الى والدها الجالس متربع القدمين على كنبة الصالون، وطبق البرتقال فوق حجره ، يتناول منه وهو يتحدث، فردت كازة على أسنانها:
- الفلوس دي من مرتبي يابابا، يعني مخدتش حاجة منك .
أكمل شعبان بلهجته المستنكرة:
- مش بقولك في طور وبيصرف ع البيت، طب حتى لو كان من مرتبك، هو انتِ الفلوس دي جايباها من حرام يعني عشان تبعزقيهم كلهم في يوم واحدة؟
زمت شفتيها لتهمس لوالدتها بغضب:
- عاجبك كدة؟ أديكٍ فتحتي علينا فاتحة ومش هنعرف نسدها، يعني مكانش ينفع كلامك دا ما بيني وما بينك، على الأقل كنت افهمك .
- تفهميني ايه؟ لهو انتِ عندك مواضيع كمان؟
قالتها بهمس إحسان هي الأخرى، فناظرتها غادة بثقة لتردف لها قبل أن تذهب من أمامها نحو غرفتها :
- حصليني جوا وانا احكيلك كل حاجة.
نظرت في أثرها بتفكر إحسان قبل أن تجفل على قول زوجها:
- شوف بت الكل..... سابتني بتكلم واهاتي وغارت على أؤضتها من غير ماتعبرني.
حدجته إحسان بقرف وهي ترى قطع البرتقال الصغيرة تتناثر من فمه وهو يتحدث، فقالت بنزق قبل ان تذهب هي الأخرى وتتبع ابنتها:
- ماتخليك في الطفح اللي انت بتطفحه، ومالك ومالها.
فغر فاهه شعبان باستغراب وهو يتابع انصراف زوجته وتركه ثم غمغم:
- اما ولية كهينة صحيح.
...................................بعد قليل
وبعد أن شرحت غادة السبب الرئيسي الذي دفعها للشراء اليوم وحكت لوالدتها عما تفعله مرفت معها وتلميحلتها المستمرة لها، سألتها بفرحة ممتزجة بالأمل:.
- ها ياست الكل، فهمتِ بقى ولا تحبي افهمك من تاني؟
قلبت عينيها إحسان، قبل أن ترد بسأم:
- فهمت إيه؟ ما انتِ بقالك ساعة عمالة تحكي وتعيدي وتزيدي، وبرضوا مقتنعتش؟
- ليه بقى ياست ماما؟ هو انا بتكلم أجنبي مثلًا؟ دا حتى كل كلامي واضح وباين زي عين الشمس.
هتفت بها غادة لوالدتها التي ردت هي الأخرى بحدة:
- هو ايه اللي واضح وزي عين الشمس؟ الولية دي كل كلامها معاكِ عايم وع المتغطي، مافيش حاجة مباشرة عشان اطمن وافرح فرحتك دي واباركلك على المرتب اللي ضيعتيه في يوم واحد .
زفرت غادة لترد بضيق:
- قولي بقى كدة ياست ماما، انتِ اللي صعبان عليكِ الفلوس ومش هامك صورة بنتك ولا لبسها لما يحصل المراد ويتم اللي بتحلم بيه من زمان .
زفرت إحسان هي الأخرى وهي تضرب كفيها ببعض وترمقها بنظراتٍ ممتعضة، وردت:
- يعني انتِ عايزاني اعوم على عومك واصقفلك كمان، طب مش لما اشوف أمارة الأول يابت الخايبة، الكلام الطياري دا مايكلش معايا، مش يمكن تكون الست دي ليها غرض تأني معاكِ؟
صاحت غادة بعدم سيطرة:
- غرض تأني ايه بس ياما؟ دي خلتني اكلم اخوها من التليفون وعرفتني عليه بقصد، دا غير انها ست مش هينة في الشركة ولا حتى موظفة عادية عشان اشك فيها، دي عضو مجلس إدارة وشريكة كمان في مجموعة جاسر الريان، هاتعوز مني انا ايه بس؟
لوت إحسان فمها على زواية بشك ثم قالت بعدم استسلام لألحاح ابنتها:
- برضوا ياغادة تحرصي وتاخدي بالك، لما نعرف ميتها ايه الأول، ونعرف بقى، إن كان غرضها دا بجد ولا وراه حاجة تانية احنا مش فاهمينها.
اشاحت بوجهها عنها حانقة غادة ولم ترد، فهي لم تقتنع بوجهة نظر والدتها، بل هي تكاد تكون متأكدة من صدق نوايا مرفت نحوها.
................................
أنت تقرأ
نعيمي وجحيمها
ChickLitفتاة متواضعة الحال لا تملك في الحياة سوى برائتها وأحلام وردية قد تكون عادية لكل الفتيات ولكن بالنسبة لها وبالنظر لظروف معيشتها الصعبة بعيدة المنال؛ وجدت نفسها فجأة محاصرة من متجبر يملك السلطة والقدرة اخضاع الغير، مع المال الذي يشتري به كل شئ، اذا ما...