الفصل الثاني والعشرون

125 3 1
                                    

أغلقت محادثتها مع أخيها ثم وضعت هاتفها إلى جانبها ببطء،ثم انفجرت ببكاء مكتوم، وشهقات متتابعة تتفلت من صدرها لكنها خنقتها براحتها التي وضعتها فوق فمها لألا يصل صوتها لذلك البغيض الذي يشاركها حياتها وأيامها البائسة تحت مسمى زوج!

قامت تتطلع لوجهها ذي الكدمات بالمراَة، دائرة زرقاء تحيط بعينها اليسرى وبقعة زرقاء أخرى على خدها، أما شفتها السفلى النازفة بخيط من دماء على جانب فيها فهي حكاية أخرى.

أي تعاسة تلك التي تلاحقها منذ تزوجت بذاك الرجل؟! بل إن شاءت الدقة -بشبيه الرجال-؟! فالرجال الحقيقون لا يستقوون على امرأة ضعيفة، ولا يسبون نساءهم ولا يتجبرون، ولكن أين هو من الرجال؟!

كانت تود لو أنها شكت لأخيها عندما هاتفته، لكنها لم تشأ أن تكسر فرحته التي زارته أخيرا بعد طول كرب، أو حتى تعرضه للخطر بسببها؛ لذا أجابته كاذبة بأنها تبكي فرحة به.
صحيح أنها تبكي فرحة له وتبكي كذلك حرقة لحالها، تذرف دمعا ولا تعرف لأي سبب تحديدا يُذرف هذا الدمع فتعددت الأسباب والدمع واحد، وحرقة القلب واحدة.

وتمنت بكل صدق أن يكون أخيها قد وُفق في ارتباطه هذا وألا يجني من وراء خطبته التعاسة كما جنت هي.
هي التي أجبرت على زواجها هذا أمام رغبة أمها التي ضربت برأيها عرض الحائط بعد موت أبيها رغبة منها في تزويجها بأول خاطب يدق الباب، تذكر كيف استهزءت بكلامها حينما رفضته قائلة:
- يا أمي أرجوك أنا لا أشعر بالارتياح أنا خائفة، صدقيني أنا لا يخيفني الزواج بقدر ما يخيفني الارتباط بالشخص الخطأ، وأن تكون تلك الحلقة التي ستوضع في إصبعي ما هي إلا مشنقة قد التفت حوله لتسلب مني الروح والحياة !

- هذا كلام فارغ .. أهذا ما يعلمونه لكم بالمدارس وبالجامعات؟ أين أبوك اﻵن يأتي فيسمع هذا الكلام؟! اسمعيني جيدا، الرجل لا يعيبه سوى جيبه وهو رجل ميسور وشاريكِ، وأنا عطيت أهله كلمة.

- لكني لا أريده، أنا التي ستتزوج.

جذبتها أمها من شعرها قائلة بغضب:
- ماذا بك يا بنت حتى ترفضيه هكذا؟! هل لطخت سمعتنا؟ أنطقي وإلا دفنتك اﻵن.

بكت محاولة تخليص شعرها من يد أمها قائلة:
- والله ما فعلت شيئا يا أمي أنا لا أريده فقط.

دفعتها أمها بعيدا عنها قائلة:
- إذن لا تجادليني أنا أدرى بمصلحتك هيا اذهبي واغسلي وجهك لتقابليه.

--------------

وكأن هذا الألم بالأمس القريب، وكأن هذا الوجع لم يمض عليه عامان، ولكن ندبة الألم محفورة بروحها وقلبها كما هي تماما تلك الكدمات التي خلفها ضربه لها محفورة على وجهها.
سمعت صفقة الباب فعلمت أنه غادر المنزل، وتمنت بقلبها أن يغادر بغير رجعة، فليس لها مفر ولا مهرب منه سوى الموت.

كانت تتمنى أن تلجأ لأمها باكية لكنها لا تقدر على فعلها فقد فعلتها من قبل عند أول مرة تجرأ على ضربها وإهانتها، فذهبت إليها ململمة ثيابها لكن ما كان من أمها إلا أن صرخت بوجهها بدلا من أن تربت عليها وتأويها بحضنها قائلة:
"- كيف تتركين بيت زوجك دون إذنه؟ تستحقين الضرب وكسر الرقبة، ارجعي إلى بيت زوجك قبل أن يرجع ولا يجدك، الزوجة بنت الأصول لا تشتكي زوجها لأهلها مهما فعل وإياك والتفكير بأني سأنصرك عليه، هيا أرجعي لبيتك وإياكِ أن تخبري أخاكِ بشيء وإلا سأتولى أنا ضربك وقص لسانك."

رواية أشواك الحب "للكاتبة/ فايزة ضياء العشري" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن