الفصل التاسع

752 37 115
                                    


ركض الصبيان بسعادة وضحكتهما تملأ الحقول الممتدة حولهما كانت أعمارهما متقاربة أحدهما في العاشرة من عمره واﻵخر يكبره بعام، وقف صاحب العشرة أعوام يلتقط أنفاسه ويقول للآخر من بين لهاثه وضحكاته :
- الحلاق جزّ لك شعرك، رأسك أصبحت تشبه الحقل الفارغ.

ضحك اﻵخر بانطلاق وهو يقف أيضا ليلتقط أنفاسه:
- حلاق غبي لم أطلب منه أن يفعل ذلك، لن أذهب عنده ثانية.

هيا هيا نعاود السباق .. سأسبقك أنا يا كسول.
قالها وأطلق ساقيه للريح واﻵخر يحاول أن يلحق به وهو يصرخ:
-أنت مخادع لقد وقفت لأستريح قليلًا؛
استمر ضحكهما وركضهما حتى أوصل صاحب الرأس المحلوق صديقه إلى بيته وودعه وهو يقول:
- أراك غدا، نذهب للشيخ لنحفظ القراَن ثم نتسابق وسأدعك تفوز هذه المرة.

ضحك اﻵخر وهو يقول :
- ليس لك شأن بي سأفوز عليك من دون تنازل.

- اتفقنا
وتصافحا بحب إلا أن الصبي صاحب الرأس المحلوق شعر برغبة تدفعه لمعانقة صديقه الذي كان يلازمه دوما في لعبه، ووجده أثناء حفظهما للقراَن عند شيخ القرية!
شيء كان يدفعه لاقتناص عناق من صديق كان يشعر أنه لن يلقاه مجددا !

تعانقا بحب وافترقا على أمل اللقاء، لكن ليست كل اﻵمال قابلة للتحقق، فرغم بساطتها إلا أن القدر يعزها علينا، ربما ليعوضنا بأفضل منها وربما ليبتلينا فيطهّرنا!

سار الصبي ذو الرأس الحليق يجر رجليه بإنهاك بعد طول ركض ولعب، يقدم رجل ويؤخر أخرى فلم يكن يتمنى العودة إلى القصر الكبير المهيب الذي يعيش بغرفة خارجية به مع والديه وأخته الصغيرة.

فقد كان يكره ذلك القصر الذي يعمل والده به خفيرا لحراسة قصر عمدة البلد .. ذلك الرجل الذي لم يكن يجرؤ أحدا أن يكسر له كلمة، وإلا سيكسر بسطوته ظهر المعترض! الجميع يخشاه، والجميع على علم بجبروته واستبداده لكن لا أحد يعترض والكل يخشى قول لا في وجهه حتى لا تطالهم يده فتبطش بهم.

أما القصر فكان جوه خانقا كئيبا ولم يكن يسليه سوى ذهابه للمدرسة فيبتعد عن هذا المكان بعض الوقت أو يذهب لحفظ القراَن مع صديقه فيهرب من ضيق المكان على قلبه رغم اتساعه لبعض الوقت اﻵخر.

وصل أخيرًا عند مغيب الشمس، دلف من بوابة القصر الحديدية التي يتبعها حديقة غنّاء واسعة لا يعلم لها طولا من عرض، وهو مطأطأ الرأس منهك الخطوات فجأة استوقفه صياحٌ من وراء ظهره للعمدة وهو يناديه بصوته المرعب الجهوري:
- تعالى هنا يا ولد.
وقف مكانه مندهشا من صياح العمدة به، ونداؤه له ليحضر عنده وهو ما لم يكن يعتاده!

دار على عقبيه ونظر نحو العمدة الذي كان يقف بجواره أبوه بثيابه الرثة ووجه كالح مهموم، وكأنه فجأة كبر مائة عام فصار هرمًا كان يقف مطأطأ الرأس متهدل الكتفين وكأن حمله فاض على طاقته! هيئة أبيه أفزعته.. أفزعته أكثر مما أفزعه رؤيته لوجه العمدة!

رواية أشواك الحب "للكاتبة/ فايزة ضياء العشري" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن