طرقت "مريم" على باب مكتب السيدة "ألفت"رئيس الشئون الاجتماعية للمعلمين فسمعت الإذن بالدخول، فدلفت إلى حجرة متوسطة المساحة بها ثلاثة مكاتب، وبساط تقليدي قد بسط على أرضية الحجرة.
أما عن السيدة "ألفت" فقد حظيت بأكبر المكاتب حجما ربما ﻷنها رئيس الشئون الاجتماعية فأخذته بوضع اليد!، أو ربما لأنها بدينة فتحتاج لمساحة أكبر تشملها، هكذا فكرت "مريم" عندما صارت واقفة أمام مكتب السيدة "ألفت" دون أن تلتفت نحوها الأخيرة وكأنها طيف غير مرأي.
كانت السيدة "ألفت" بدينة، وقصيرة القامة ذات نظرات حادة سليطة وعوينات تضعها على مقدمة أنفها مما يجعل الهواء يحتبس بأنفها فيخرج صوتها حادا أكثر مما هو، وفم ذو شفتين رفيعتين حادتين جدير بأن يخرج منهما هذا الصوت الرفيع الحاد الذي بسببه -ربما- قلدوها بمنصبها هذا حتى تُنفر المعلمين من التقدم بشكاوى أو طلب لإجازات؛ تجنبا لصوتها الحاد المزعج، وأسلوبها السليط!.تنحنحت مريم، كي تلفت انتباه السيدة الجالسة أمامها، ثم ابتلعت ريقها في توتر عندما تخيلت رد فعلها اﻵن على ما ستقوله لها،وكيف ستشتعل مثلما تشتعل في كل مرة يطلب أحدهم إجازة رغم أنه لا يطلب شيئََا أكثر من حقه !.
سمعت السيدة ألفت نحنحتها فسألتها بصوت يشوبه الهدوء-على غير عادتها- عن حاجتها ولم تنظر بتجاهها، وإنما ظلت منكفئة على الأوراق المبعثرة أمامها التي تعمل بها.
- نعم .. أستاذة"مريم" تفضلي اجلسي واخبريني بما تريدينه.
تجاهلت "مريم" عرضها بالجلوس بغيظِِ منها كما تجاهلت هي وجودها من قبل وأجابتها قائلة :
- أردت فقط أن اأطلب إجازة يومين أو ثلاثة لأستاذة "فريدة" لأنها لا زالت مريضة، وعندما تتحس...
قاطعتها السيدة "ألفت" قائلة دون ان تنظر إليها بصوت ممتعض قليلا قائلة :
- حسنا يا أستاذة "مريم" سأمضي لها إجازة أسبوعا كاملا أظن أن هذا يكفي.
قالت ذلك وهي تمضي ورقة بإجازة فريدة.
اندهشت مريم من رد فعل السيدة "ألفت"، وحدقت بها بدهشة، فهي لم تتوقع أنها ستنفذ طلبها بكل هذه السرعة، والسهولة دون أن تلقي بوجهها بعض عبارات اللوم، والاستهتار بالعمل، وكأن من يمرض يدعي المرض ليتخذه ذريعة للتغيب عن العمل، ولكنها -وللعجب-لم تفعل وإنما لبت طلبها بكل سلاسة غريبة على طبعها المعقِد للأمور، انتبهت "مريم" على صوت السيدة "ألفت" وهي تقول لها بصوت حاد وتنظر لها من فوق عويناتها
- إلى متى ستظلين محدقة بي هكذا يا أستاذة "مريم" طلبتي إجازة لصديقتك وحصلتي عليها.. هيا إذََا إلى عملك.
اعتذرت منها مريم قائلة :
- حسنا سأفعل...أعتذر على الإزعاج قالتها "مريم" وتوجهت صوب الباب؛ لتخرج ولكنها تذكرت شيئا فعادت تنظر لها من فرجة الباب متسائلة :
- هل لي بسؤال وسأذهب فورا.
تأففت السيدة "ألفت" ثم عدلت من وضع عوينتها ونظرت مرة أخرى بالورق أمامها بعدما رمتها بنظرة جانبية قائلة بنفاد صبر :
- تفضلي
تنحنحت مريم قائلة:
- أين أستاذ "وليد" لم أره من فترة و......
قطعت السيدة "ألفت" استرسالها ونطقت ببرود قائلة:
- لقد لقى حتفه على إثر حادثة سير تعرض لها.
شهقت "مريم" من المفاجأة واضعة يدها على فمها بذهول، وقد صعقها الخبر كان رجلا مهذبا أو هذا ما بدى لها ، في أوج شبابه انتهت به الحياة هكذا سريعا بغمضة عين!.
نظرت نحوها السيدة ألفت بتعجب، وكأن الخبر الذي ألقته على مسامعها غير صادم قائلة لها :
- هذا الخبر قديما فلا داعي لكل هذه الصدمة هيا إلى عملك يا أستاذة "مريم".
تنبهت "مريم" لغلظة السيدة في الحديث فحاولت تماسك أعصابها الغاضبة المتوترة ورمتها بنظرة ضيق ثم خرجت وأغلقت الباب وراءها وكم كانت تتمنى لو تستطيع أن تصفقه بقوة لتنفس عن غضبها المكبوت وضيقها مما سمعت فتهدم جدران الحجرة على رأس هذه السيدة سليطة اللسان التي لا قلب لها ولا رحمة عندها ثم اتجهت صوب حجرتها ولازالت أثر الصدمة بادية على وجهها مما سمعت، كم كان قليل الحظ، قصير العمر "وليد" هذا!
وتسائلت هل تعرف "فريدة" بهذا الأمر؟!
ثم نفت احتمالية معرفتها، فأنى لها أن تعرف وهي منشغلة بمرضها وحالتها النفسية المتدهورة.
حمدت ربها أنها استطاعت أن تحظى لها بإجازة وللعجب أنها تمكنت من الحصول على إجازة "لفريدة" بسهولة، ولمدة أسبوع كامل! كان هذا غريب حقا !!
زفرت بقوة لتهدأ من ضيقها وقررت أن تنتظر حتى ينتهي اليوم الدراسي الطويل ثم تزور فريدة وإذا وجدتها أحسن حالا ستدلو لها بدلوها من الأخبار التي بدأت تتعب من حملها وحدها.
أنت تقرأ
رواية أشواك الحب "للكاتبة/ فايزة ضياء العشري"
Romance"بداخل صدرها ضيق ... وبداخل عينيها حزن لم يمحه قلم الكحل الذي رسم عينيها ! وقلم أحمر الشفاه الذي صبغ شفتيها بحمرته القانية، لم يستطع رسم ابتسامة حقيقية على شفتيها طالما بسمتها لم تنبع من داخلها، وفرحتها كانت ادعاءََ! كانت موقنة أننا نشرق من الداخ...