الفصل الحادي عشر

739 28 130
                                    

جلست في مكتبها الذي كان من قبل مكتبا لزوجها المتوفى وكانت قد أجرت به بعض التعديلات بما يتناسب مع ذوقها؛ فبدا مكتبََا ذو فخامة أنثوية.
أراحت ظهرها على مقعدها رافعة رأسها إلى أعلى في شرود وأخذت تحرك المقعد يمنة ويسرة ببطء، عقلها مسافر إلى حيث تلك الفتاة التي تدعى "مريم" لقد استطاعت أن تحصل على بعض المعلومات عنها، وظلت تسترجعها بعقلها، وتحصيها.

هي فتاة فقيرة نبذها أبوها منذ طفولتها هي وأمها المريضة، تعيش في حارة شعبية فقيرة يملأها الشباب الفاسد الفاقد لرشده بسبب المخدرات التي يعكفون على تعاطيها طوال ليلهم، وقليل من الشباب الذي يحاول أن يكمل تعليمه، رغم الفقر الذي يقيدهم بقيود العوز والحاجة.
أمر واحد لم تستطع معرفته، أتكون جميلة تلك الفتاة؟ أتفوقها جمالا؟ أم أنها فتاة عادية؟

داعبت أصابعها ذات الأظافر الطويلة المصبوغة بطلاء أحمر قاني خصلات شعرها المسترسلة على كتفيها، هي لا تظن أن "مريم" هذه أجمل منها، هي تعرف قدر نفسها جيدا، هي امرأة لا ينقصها شيء، جمال، ومال، وجاه. أما "مريم" هذه، فمن تكون مقارنة بها؟! هي تأنف حتى من مقارنتها بخادمتها التي تعمل في فيلتها!

وحتى إن افترضت أنها على قدر من الجمال فمن أين لها أن تتأنق مثلها وترتدي ما يظهر جمالها أو يزيده، وجال ببالها قول أمها لها عندما كانت تقنعها بإنهاء خطبتها بزاهر حينما أوشك على الإفلاس :
(الفقر.. الفقر يا حبيبتي سم زعاف يسري بعروق الحب فيهلكه، الفقر يقبح كل ما هو جميل، الفقر يكبل الرجل والمرأة معا بقيود العوز والحاجة، وكلما زاد الفقر قل الحب وانتهى!)

صدقت أمها رحمها الله في هذا الكلام، ورغم أنها بسببه قد خسرت "زاهر" لكنها لم تكن ستستطع العيش معه فقيرة تحتاج لأن تتزين وترتدي الحرائر والحلي، وإذا عجز عن تلبية حاجتها بالتأكيد سيتقص حبها تدريجيا، و"مريم" هته امرأة كأي امرأة تريد أن تتزين وترتدي أجمل الثياب التي تزيد جمالها فمن أين لها هذا وهي معدمة؟!

هي واثقة أنها من ستفوز بقلب "زاهر" مجددا، وهي لن تدخر جهدا لنيل قلبه الذي هو ملكها وحدها ولن يكون لسواها، كما أنها لا تظن أبدا أن "زاهر" سيهتم بشأن تلك المعدمة التي تسمى "مريم"، خاصة إن علم بمستواها المادي الذي لا يقارب من مستواه ولو قيد أنملة، ولو فرضا فكر أن يتقرب لمريم تلك فهي وخالتها الحبيبة بكل تأكيد ستقفا حائلا دون ذلك.
ابتسمت في رضا عندما تذكرت خالتها التي هي داعمها ومؤيدها عند "زاهر"واستوت في مجلسها ثم وضعت ساقا على ساق فانحسر فستانها الأسود الضيق قليلا فوق ركبتها فجذبته قليلا لتعدل من موضعه لكنه أبى فتركته غير اَبهة، ثم أمسكت بهاتفها واتصلت بخالتها لعلها تصل لأخبار جديدة عن "زاهر".

انتظرت حتى أتاها صوت خالتها الارستقراطي الهادئ :
- أهلا يا نور كيف حالك يا حبيبتي ؟

رواية أشواك الحب "للكاتبة/ فايزة ضياء العشري" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن