جلس جانب نافذة القطار يتابع الطرق الزراعية المتلاحقة التي يقطعها القطار بسيره السريع، ها هو عائد لماضيه من جديد لكنه عائد متخفِِ مستترُُ بستائر الظلام الدامس.
فقد اختار رحلة بعد منتصف الليل المتجهة نحو قريته التي عاش طفولته، ومراهقته القاسية بها.
عائد لا ينوي مواجهة ماضيه ولا مواجهة جبروت العمدة رغم أنه يدرك أن ملامحه قد تغيرت ولن يتعرف عليه بسهولة حتى إن التقيا، لكنه لا يريد أن يلتقي بذلك المتجبر الظالم.أشجار النخيل الباسقة التي تجري من أمامه تذكره بأيام كان فيها جذعه وجذعها ملاصقين، يستمد منها العون إذا ما قرر العمدة عقابه كما فعل تماما بآخر مرة حاول فيها الهرب، فأصابه الحارس بذراعه بطلق ناري.
كانت فاجعة للعمدة أنه جرؤ على التفكير في الهرب، فكان عقله يغلي بثورة على مرجل من الغضب، وهو يسأله عمن بث في عقله هذه الفكرة، وحينما أصرّ على عدم إفشاء سر أبيه، توعده العمدة بالعقاب بعد أن يشفى ذراعه، وبالفعل لم يخلف موعده فما إن تماثل للشفاء وكاد أن ينسى ما توعده به العمدة، حتى وجده يرسل في طلبه ليكبّلوه في جذع النخلة ليتلقى عقابه!
ما كان يتعجبه في هذه المرة أنه لم يكن يتألم، فقد كان ينزل الخيرزان على ظهره بصوته المرعب فيمزقه، لكنه لم يكن يصرخ وجعا! ربما لأن وجع روحه فاق وجع جسده حينها؟! وربما لأنها قد تألمه كثيرا حتى اعتاد الألم، وظن أنهم لو قطّعوا من لحمه قطعًا لما شعر، ولا اعترض.
وكم كان يثير صمته، وعدم توجعه غضب العمدة، فيزيد من ضربه حتى يصل لإيلامه، لكنه أبدا لم يجعله ينل هذه الفرصة، فصار يضربه حتى تمزق ظهره بالفعل، وانبثقت الدماء من جروحه، وأعيى الضرب ذراع المتجبر فتوقف، وهو يسبه بأبيه الحقيقي ويلعنه.
كان ما يزيد صبره على الألم هو أنه قد عقد العزم ألا يكون هربه هذا للمرة الأخيرة، وإنما سيكرره بعدما يظن الجميع أنه استسلم، ولن يعود لهذه المحاولة مرة ثانية، لكنه سيعيد الكرة بعد أن يكون خطط لها دون علم أحد، ولا حتى أباه كي لا يتأذى، وهذا ما فعله بعدما مرّ عام توقف فيه تماما عن الحديث عن رغبته بالالتحاق بالجامعة، كان مطيعا ولينا مع الجميع فلم يشك به أحد للحظة، وظنوا أنه قد صلح حاله، ظل هكذا مخادعا لهم، حتى تمكن في ساعة فجر أحد الليال الشتوية أن يهرب تاركا ورائه أسود أيام عاشها بحياته وأحلكها ظلمة .
وبدأ حياته بالمدينة من الصفر بعدما قدم أوراقه بكلية الطب وتم قبوله، وعمل في بداية الأمر صبيا في مقهى يعمل بها نهارا، ويبيت بها ليلا، بعدما أشفق صاحب المقهى على حاله، وصار المال القليل الذي يحصل عليه يكفيه، ويسد احتياجاته، وأغناه الله عن مال أبيه الذي تركه له لعلهم يهنئون به، واستمرت الأيام على وحشتها، ووحدتها لكنه كان بعيدا عن يد ذاك الظالم، وصار الجميع يعرفونه وينادونه باسم "موسى نصر الدين" واسم "صالح علوي" ماهو إلا اسم ببطاقته الشخصية وأوراقه الرسمية كتب عليه ليذكره بماضِِ أليم.
أنت تقرأ
رواية أشواك الحب "للكاتبة/ فايزة ضياء العشري"
Romance"بداخل صدرها ضيق ... وبداخل عينيها حزن لم يمحه قلم الكحل الذي رسم عينيها ! وقلم أحمر الشفاه الذي صبغ شفتيها بحمرته القانية، لم يستطع رسم ابتسامة حقيقية على شفتيها طالما بسمتها لم تنبع من داخلها، وفرحتها كانت ادعاءََ! كانت موقنة أننا نشرق من الداخ...