الفصل الرابع

1.1K 66 53
                                    

بصَّرتُ لكَ يومًا
كعرافةٍ مُحَنَّكةٍ
أنَّكَ ستترُكني وترحلْ
أنَّكَ ستَغدُرْ
أنَّك ستقهرُ قلبي
فأنتَ رجلٌ مِن معشرِ الرجال
حُلو اللسانِ وقليلُ الفِعال ...
هذا ما شعرتُ بهِ حينها
ويا وَيحي مما شعرتْ
وأخبرتُكَ بنبوئَتي
ولكنَّك ضحكتْ
وابتسمت ثُمَّ بسطَ يدَكَ أمامَ وجهي وقُلتْ :
أَتريِن أصابعَ يَدي كل أصبعٍ يختلفُ عن أخيه
كذلك أنا أختلفتْ
ولن أغدُرَ بِحبك
وياليتني كذَّبتُكَ وما صدَّقتْ
ولكنَّنِي صدَّقتْ!
كغُرٍ ساذجٍ أحمقْ
انجرفتْ
انجرفتُ وراءَ قولِكَ وأخمدتُ صوتَ نُبوئَتي
ويا ليتني ما أخمدتُ هذا الصوتْ..
ثمَّ رحلتَ أنتَ
مثلما أحسستْ
وصدقتْ نبُوئَتي، فغَدرتْ
وصفعتَ قلبي بغدرِكَ
فانْهَزَمتْ ..
وتهدمت حُصوني المنيعةُ فوقَ قلبي واكتَويتْ
يا ليتني صدَّقْتُ نُبوئَتي
ياليتني وئدتُ ذاك الحب.

أفرغت بكائها بعد حديثها المشدود مع أمها عن ذاك الجار الجديد على هيئة كلمات على الورق، وها هي تعود لتخط موقف من مواقفها مع طليقها الذي عشقته ولكنه غدر بحبها ..
أيستحق البشر أن يكونوا موضع عشق؟
أيستحق أحدهم أن يحتل بالقلب موضعا أعلى من الحب فيرتفع لمنزلة المعشوق؟!
أكانت هذه خطيئتها أنها عشقت من لا يستحق عشقا؟!
خرج حزنها في كلماتها على هيئة ذكريات لها مع "سيف" قلبها البتار الذي شطر قلبها بلا هوادة. ظلت شاردة في دفترها بجفنين متورمين من كثرة البكاء وعينين لا زالت بهما الدموع مترقرقة لم تجف، ولم تنضب، وتمثل لها على الورق الذي كانت تخط عليه من قليل صورتها مع "سيف". صورة من ذاكرتها انطبعت على دفترها لترى نفسها وهي تجلس بجانبه على ظهر مركب كبير من تلك المراكب التي كان يمتلكها.

المركب الكبير يتهادى في النيل مع نسيم الليل العليل وهي تجلس بجانبه، وهو محتويها بذراعه القوية ورائحة عطره الرجولية تملأ أنفها وصوت موسيقى هادئة ينبعث من مكان ما على ظهر المركب.
أراحت رأسها على صدره لتسمع دقات قلبه المنتظمة فتشعر براحته إلى جوارها وهدوء أنفاسه في حضورها.كم كانت تخشى أن تفقده بشدة، وكلما اقترب منها أكثر وأشعرها بحنانه كلما ازداد خوفها من فقده، رفعت رأسها؛ للتتأمل قسمات وجهه التي تحبها بدءََا من جبهة عريضة يعلوها شعر أسود مصفف بعناية، مرورا بعينين مغمضتين بأهداب كثيفة مطبقة أخفت وراءها نظراته التي طالما تحيرت في تفسيرها بين نظرات حب حينا ونظرات غدر حين اَخر!، نزولا إلى أنفه المستقيم وشفتيه الحادتين المزمومتين باستمرار لكن في هذه اللحظة كان مقتنصا بسمة جانبية رسمها على شفتيه فبدا لها بوجهه الحليق ونصف بسمته أكثر وسامة وجاذبية في عينيها. بسمته الصغيرة هذه زادت من سعادتها لأنها وشت لها عن سعادته الكامنة بقلبه معها وإن لم يصرح لها هو بشيء، فانعكست بسمته على وجهها وابتسمت لما راقها إحساسه بالسعادة بجوارها حتى انتبهت على صوته وهو يقول لها وهو لازال مغمضا عينيه :
- هل اكتفيتي يا صغيرتي من تأمل وجه زوجك الجميل؟ - وفتح إحدى عينيه ليشرف على وجهها الجميل من علِِ لينظر لها بمكر فتصطدم نظرته الماكرة بوجهها المتوهج خجلا.

رواية أشواك الحب "للكاتبة/ فايزة ضياء العشري" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن