انطلقت مريم بسرعة متوترة داخل حارتها التي تكاد البيوت فيها تطبق على بعضها البعض.
كانت مضطربة الخطى، والملامح، تشعر بكارثية تأخرها عن أمها حتى الساعة التاسعة والنصف مساء وهذا أمر غير مقبول أبدا لدى أمها، ولابد أنها ستسمعها كلمات لائمة من تلك التي تؤنب الضمير وتوخز العظام، يكفيها فقط أن تنظر لها نظرة غاضبة لائمة وتمتنع عن الحديث معها، حينها ستكون قد نالت أقسى عقاب قد تتلقاه من أمها تحديدا،
فصمتها عنها أشد قسوة على قلبها من لومها بكلمات حازمة، صمتها يشعرها بأن سدًا غير مرئي يحجبها عن أمها التي هي كل دنيتها وعالمها في الحياة .. صمتها يشعرها أن أمها غضبت منها بالدرجة التي تجعلها تأنف من مخاطبتها أو لومها حتى، وما أقسى ذاك الشعور.رجت الله ألا تفعل أمها ذلك، وأن يشفع لها أنها لم تفعل ذلك من قبل، وستعدها ألا تفعلها من جديد. حثت الخطى لكي تصل أسرع وكأن الدقائق التي ستصلها مبكرة ستغني عن تأخرها.
ووازى قلقها من رد فعل أمها قلقها عليها نفسها، فقد كانت قلقة على صحتها فهي لم تعتد أن تغيب عنها كل هذه الساعات من قبل؛ لذا كان قلبها ينبض بالتوتر ووخز الضمير، وصلت إلى باب بيتها القديم المتهالك وقبل أن تدلف إلى ساحة البيت الذي يقبع به منزلها المستأجر من الحاج "عامر" مالك هذا البيت والمقهى المحتلة واجهته. استوقفها نداء الحاج "عامر" المميز لها:
-يا ست البنات.عادت أدراجها، ونزلت درجتي السلم اليتيمتين اللتين صعدتهما على عجل، لتواجهه فتجد وجهه البشوش المغضن بتجاعيد الزمن يستقبلها بابتسامة محبة حنون.
كان رجلا قصير القامة نحيفًا ذو شعر صبغه الشيب، ووجه حليق ملأته التجاعيد من كل حدب وصوب، تبسمت "مريم" في وجهه بحب عندما نظرت إليه، فقد كانت تعتبره في مقام أبيها بل هو عندها أفضل من أبيها الذي تركها منذ الصغر ولا يعرف عنها شيئًا، أفضل من أبيها الذي لم تنل من أبوته سوى اسم مجاور لاسمها في بطاقتها الشخصية، وكم هو موجع فقدان الأب وهو على قيد الحياة!. أما هذا الرجل الحنون فقد كان دائما لجوارها هي وأمها في وقت أزماتهما، مجاورا لهما بكيانه وأفعاله لا بمجرد اسم مؤيد بدفاتر وسجلات.
كان يكفيها مجرد سؤال منه عن حالها. سؤال عابر عن حالها كان كفيلا أن يشعرها بأن هناك من يهتم لأمرها ويسأل إن كانت بخير أم لا.. ولم تكن زوجته مختلفة في طباعها عنه بل كانت مثله في الحنان ورقة القلب، وكانت لهما نعم الجارة، فدائما ما كانت تأتي لتتفقد أحوال أمها وتسأل عن صحتها أو تؤنس وحدة أمها في أوقات عملها.
كانت "مريم" تعرف أن كلا الزوجين يعاملانها كابنتهما، لأن القدر حرمهما من نعمة الإنجاب، فما كان منهما إلا أن يغدقا عليها من عطفهما ليعوضا شعورا بالأمومة والأبوة كانا يتمنيان أن يعيشاه.فكانا مثالا حيا لها على الصبر، والرضا بقسمة الله ومنحه ومنعه.
سألها بصوته المهتز لكبر سنه فقد كان في أوائل العقد السابع من عمره ، ولا زالت البسمة تعلو وجهه :
- ما الذي أخرك اليوم يا ست البنات قلقتي قلب أمك؟
أنت تقرأ
رواية أشواك الحب "للكاتبة/ فايزة ضياء العشري"
Romance"بداخل صدرها ضيق ... وبداخل عينيها حزن لم يمحه قلم الكحل الذي رسم عينيها ! وقلم أحمر الشفاه الذي صبغ شفتيها بحمرته القانية، لم يستطع رسم ابتسامة حقيقية على شفتيها طالما بسمتها لم تنبع من داخلها، وفرحتها كانت ادعاءََ! كانت موقنة أننا نشرق من الداخ...