الفصل الأول

4.8K 109 155
                                    


"ثم ماذا؟!
بعد هذا العذاب الكامن في ثنايا القلب
ثم ماذا؟!
بعد جرح عاد ينتفض من سبات عميق ليعلن عن بقائه حيا بلا فناء
ثم ماذا بعد قلب عاد يئن مذبوحا جريحا
متسائلا ...
أما لهذا العذاب من انتهاء؟!
أما لهذا الجرح من شفاء ؟
عجبا لك أيها القلب العنيد!!
ألم تكن تكابر في دهاء..
و تخبر أنك لم تعد حزينا
و تزعم أنك في حالة اكتفاء..
الآن تعود فتبكي جراحك وحدك من جديد..
معلنا أنك لازلت أسيرا من بقايا الحرب
أسيرا لحب لم يعد يزيدك سوي ندوبا تخدشك بلا حياء
فاصحُ فاصحُ أيها القلب العنيد
فإما تحيا ناسيا جراحك كلها و إما تظل حائرا
بداء ماله دواء!!"
أنهت كلماتها في دفترها الذي تلجأ إليه كلما شعرت بالحزن فتبثه شكواها فهي في هذه الآونة تشعر أنها مثقلة بالهموم فمنذ رأته و هي عائدة من عملها، وتجاهلها كليا كأنه لا يعرف شيئا عنها وكأنها لم تكن يوما زوجته ! بل وانطلق بسيارته مبتعدا عنها وكأنها ضبطته متلبسا بذنب مراقبتها من بعيد !

هذا اللقاء زلزل كيانها وجعلها تشعر بأنها لم تبرأ بعد من جرحه لها، بل وبكل سذاجة تضحك على عقلها وقلبها معا وتقنعهما بالبرء من اَلامها ، ولشد ماهي كاذبة !

انتبهت على صوت أمها وهي تناديها:
- فريدة هيا يا حبيبتي لنتناول عشائنا معا،منذ عودتك من عملك وأنت حبيسة غرفتك،ما بالك يا صغيرتي؟

قامت من أمام مكتبها راسمة على وجهها أفضل ابتسامة استطاعت رسمها في ذلك الوقت ثم أقبلت على أمها مقبلة جبينها قائلة:
-لاشيء يا حبيبتي فأنا مرهقة قليلا من تدريسي للأولاد في المدرسة طوال اليوم.

ربتت أمها على رأسها بحنانها المعتاد قائلة:
-أعانك الله يا حبيبتي أنت معلمة فاضلة ومصدر فخري وفخر الجميع - ثم غمزت بإحدى عينيها ومالت على ابنتها تهمس لها بمشاكسة- وستكونين يوما أما فاضلة مثل أمك أيضا.

ضحكت فريدة لحركة أمها ثم ارتمت بحضن أمها تستمد منه قوة من بعد ضعفها وقالت :
-أنت أعظم أم بالدنيا، لا حرمني الله من وجودك أبدا ، ثم أمسكت بكف أمها وانحنت بطريقة مسرحية مشيرة بيدها الأخرى نحو الباب هيا بنا أيا "مولاتي" قبل أن يبرد العشاء .
ابتسمت الأم لمشاكسة ابنتها وتقدمتها لتخرج من الغرفة لكنها لم تغفل أبدا نبرة الحزن في صوت ابنتها أو دموعها المتحجرة في عينها محاولة إخفائها بابتسامتها، حتى وإن تغافلت عنها .
ولكنها لم تشأ أن تثقل عليها بالحديث فهي على ثقة أن ابنتها لن تخبئ عنها شيئا مهما كان صغيرا..
وستتركها على راحتها حتى تأتي إليها وترمي شكواها على صدرها .
ورغم أنها عزمت على ألا تسأل ابنتها عما يضيق لها صدرها إلا أن قلبها الحنون لم يستطع الصبر عليها عندما لاحظت شرود ابنتها المتكرر أثناء تناول الطعام وهي تحدثها في أمور شتى حتى تجذب انتباهها وتلهيها عما يحزنها.
لكن باءت مساعيها بالفشل وكان جليا على وجه "فريدتها" أن عقلها في مكان اَخر غير مائدة الطعام ؛ لذا لم تستطع أن تمنع نفسها من سؤالها وهي تكاد تكون على ثقة من سبب حزنها فسألتها سؤالا مباشرا بلا مقدمات كثيرة لا طائل من ورائها :
-هل حدث شيئا وأنت عائدة من العمل؟ هل أتى "سيف" لاستلام ابن أخته بعد اليوم الدراسي؟

رواية أشواك الحب "للكاتبة/ فايزة ضياء العشري" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن