عادت أخيرًا إلى منزلها المتواضع الذي هو رغم صغره، وضيقه إلا أنه يظل ملاذها اﻵمن، ومكانها الرحب الذي تتنفس به الصعداء.
كان وجهها مشرقا ببسمته، وقلبها يقفز بين ضلوعها فرحًا، فتوجهت نحو أمها الجالسة على الأريكة المتهالكة في زاوية صالة منزلهم الصغيرة، ترتدي نظّارتها الطبية وتحيك شيئًا ما، حاوطتها "مريم" بذراعيها من خلفها بحب، وقبلت رأسها قائلة :
- ها أنا عُدت سريعًا يا أم مريم، ولم أتأخر عليكِ، ومن اﻵن فصاعدًا لن أتأخر عنكِ أبدًا بل سألازم البيت معك مدة ثلاثة أيام حتى تُعلميني فنون الطبخ!ضحكت أمها من تلك الكنية التي تطلقها عليها عندما تكون رائقة المزاج، فتناديها ب(أم مريم)، وكأنها بذلك تذكّرها أنها مثلها مثل غيرها من الجارات اللاتي رزقهن الله بالولد فينادونهن بأسماء أولادهن مثل (أم محمد، أم حسن.. ) وهكذا الكثير من أسماء الذكور، أما هي ف(أم مريم) "مريم" الفتاة التي تساوي مائة رجل.
وها هي ربتها فأحسنت تربيتها فكانت لها حنان الأنثى وسند الرجل.
ربّتت الأم على ذراعي ابنتها، ولا تزال آثار ضحكتها جلية على وجهها المغضن، ثم سألتها مستفهمةً منها وهي تقول:
- تعالي، اجلسي أولا وافهميني ما الأمر بالتفصيل، أتمزحين معي يا بنت كيف ستقضين كل هذا الوقت معي؟
ستتركين عملك لأجل الطبخ؟ يا فرحتك بابنتك يا أم مريم
- قالتها وهي تضرب كفا بكف-ضحكت "مريم" بانطلاق وبدأت تقص على أمها كل شيء بشكلٍ موجزٍ بدءا من معرفتها "زاهر" حتى عرضه عليها بالعمل في تلك الأكاديمية وكيف أنها فرصة لا تُعوض، متحاشية أثناء حكايتها الحديث عن مشاعرها الوليدة تجاهه، أو عن فهمها لتلميحاته التي تظن أنها باتت تفهمها، ورغم ذلك إلا أن أمها قد استشعرت شيئا بكلامها ورغم أنها قد استمعت إليها بهدوء إلا أن قلقا راودها من "زاهر" هذا، وقد تحجج أنه عرف مجال عملها صدفة!!
أي صدفة هذه التي تجعله يعرف مجال عملها، ويوفر لها فرصة أفضل بهذه السرعة؟! هذا الحديث لم يقنع عقلها حتى وإن اقتنعت بها ابنتها وصدقته، وخشيت أن تقع ابنتها بحب "زاهر"!
خشيت أن تذوق من نفس الكأس الذي ذاقته صديقتها "فريدة" مع طليقها الثري"سيف"، عليها أن تكون حذرة ولا تقع بالخطأ ذاته. لكنها ظلت تستمع إلى ابنتها وهي تكمل حديثها دون أن تقاطع كلامها، وقلبها يخبرها أنها قد تأخرت على هذا التخوف؛ فلمعة عينيها وبريقهما عندما تأتي على ذكره لا يمكنها أن تخطئ فهمها؛ لذا ما إن انتهت "مريم" من الحكي حتى ربتت أمها على وجهها بحنان قائلة :
- أنا معك؛ الوظيفة عرض رائع، يسر الله لكِ كل أمورك يا ابنتي وأوقف لكِ أولاد الحلال في كل خطوة تخطيها.قبلت مريم باطن كف أمها الذي ربتت به على وجهها، وقد أسعدتها دعوات أمها، وأسبغت على قلبها ثوب الفرحة والأمان، لكن سرعان ما تبددت فرحتها رويدا رويدا، عندما أكملت أمها قائلة بنفس النبرة الحنونة:
- مشكور أستاذ "زاهر" على مساعدته لكِ، لكن لا تطمعي في أكثر من ذلك يا مريم ، فلا نحن من ثوبهم ولا هم من ثوبنا كما يقال.
أنت تقرأ
رواية أشواك الحب "للكاتبة/ فايزة ضياء العشري"
Romance"بداخل صدرها ضيق ... وبداخل عينيها حزن لم يمحه قلم الكحل الذي رسم عينيها ! وقلم أحمر الشفاه الذي صبغ شفتيها بحمرته القانية، لم يستطع رسم ابتسامة حقيقية على شفتيها طالما بسمتها لم تنبع من داخلها، وفرحتها كانت ادعاءََ! كانت موقنة أننا نشرق من الداخ...