أنه كابوس وليس حلم

38 7 1
                                    

"أستدر الرجل ذو المعطف البني ووجه الكشاف نحو وجه ديفيد، ثم هرع نحوه وأمسك ذراعه، وقال له: "هيا، انهض". رد ديفيد: "ألا تراه؟" فأجاب الرجل: "نعم، لكن انهض ولا تستدر خلفك مهما حصل هنا وأنت في وسط الغابة. نهض ديفيد من مكانه وهو يحاول جاهداً عدم النظر إلى الخلف، ثم وجه سؤالاً للرجل وهو يشعر بالعرق الغزير يغمر وجهه: "ما هو هذا الشيء؟" فأجاب الرجل: "لا شيء". فرد ديفيد: "ولكنك رأيته أيضاً وأنا لا أتوهم، أليس كذلك؟". أجاب الرجل بنبرة صارمة: "أعرف". واصل ديفيد بالسؤال: "ولماذا كان يشبهني إلى هذا الحد؟" فرد الرجل: "لا تفكر في الموضوع فحسب، وأكمل السير". ولكن حاول ديفيد الاستمرار في الحوار وقال: "ولكنك رأيته، فما هو؟" لكن الرجل أوقفه وقال: "أصمت وأتبعني".

صمت ديفيد أخيراً وتوقف عن الاسئلة الذي ينحر عقله وأتبعه،
يتسارع ديفيد بخطواته ليلحق بالرجل الغريب، ليسأله سؤال الذي نسى أن يسأله
-ما هو أسمك
-باولو
-وماذا تفعل هنا؟
لم يجب على سؤاله، و واصل خطواته نحو وسط الغابة، وصلوا إلى مكان ضبابي في وسط الغابة، يرى كوخ صغير بين الضباب المتناثر، أخرج باولو فأساً، أرتعب ديفيد وتراجع،وبنبرة خوف قائلاً:
-ماذا تنوي أن تفعل..لم أرتكب أي خطأ.. أرجوك..أنا فقط كنت..

تجهّز باولو بعض أغصان الشجر ووضعها فوق بعضها ليشكّل كوماً من الحطب، ثم أشعل النار وجلس أمامها. سارع ديفيد للجلوس بجواره، ولكنه امتنع عن طرح الأسئلة التي كانت تشغل باله، وبدلاً من ذلك انتبه لباولو وهو يخرج ورقة من جيب معطفه ويمدّها له. مسك ديفيد الورقة وهو ينظر إلى باولو بتعجّب، وسأله ما هذا؟ أجاب باولو: "اقرأ فحسب، وتوقف عن طرح الاسئلة". بدأ ديفيد بقراءة الورقة، وبالتدريج تحوّل تعجّبه إلى استغراب عما كانت تعنيه الجملة الأخيرة المكتوبة أسفل الورقة "أستيقظ، هذا ليس حقيقة، أرجوك أستيقظ". لم يستطع ديفيد إخفاء استغرابه عن باولو وقال له: "ما هذا بحق الجحيم؟". فأجابه باولو ببساطة: "الحقيقة". فقال ديفيد بخوف وهو يحاول فهم الموقف: "وما هي الحقيقة؟".

قبل أن يتمكّن باولو من الردّ على سؤال ديفيد، سمع صوتاً يصدر من بين الأعشاب الكثيفة خلفهم. فأطفأ النار بسرعة وقال لديفيد "تحرّك بسرعة". لكن ديفيد لم يتمكّن من معرفة ما الذي يحدث، حيث رفض باولو الإجابة على أسئلته وأخبره بالتوجه معه نحو الشمال.

تركوا مكانهم مسرعين باتجاه الشمال، وهم يسيرون بترقّب شديد، سمع ديفيد صوتاً يصدر من خلفه، فتوقّف في مكانه وحاول النظر نحو مصدر الصوت، لكي يرى ما يحدث، ولكن باولو حذّره قائلًا "لا تنظر".
واستمروا في السير دون توقّف، ديفيد يشعر بالفضول والتساؤل حول ما يجري في هذه الغابة المجهولة.

وصلوا إلى الينبوع، ولكن ما هذا الينبوع الجميل، الذي يحتوي على مياه باللون الاخضر الجيري المضيء والخنافس المضيئة، ديفيد واقف مذهول بالجمال، باولو قائلاً:
-هيا أقفز
-ماذا
-أقفز إلى الماء
-ولكن...
بينما يتجادلون بالحديث سمعوا صوت غريب يصدر من جانبهم ويتقدم نحوهم، باولو:
- هيا أقفز بسرعة
ولكن ديفيد تجمد في مكانه وهو ينظر إلى ذلك الكائن الذي خرج من بين الأشجار، كائن يشبه البشر ولكن بملامح المسخ، متجرد من الملابس، كائن رمادي اللون لا يوجد على رأسه ولا شعرة، أعين صغيرة جداً وليس له أنف، أذناه طويلتان وفمه الصغير، ومن ثم ظهرت كائنات اخرى من بين الأعشاب، كائنات صغيرة جداً بحجم صغار الأرانب، ولكنهم يمشون على القدمين، رؤوسهم اكبر من اجسامهم، أعينهم كبيرة، وليس لهم اذان.

باولو لـ ديفيد:
-هيا أقفز
-ألن تقفز معي؟
-يجب أن أشتت انتباههم
-لماذا؟
-الينبوع لا يمكنه أن يحمل أكثر من شخص في داخله في نفس اللحظة،
و أيضاً عندما تقفز لن تسافر في نفس اللحظة ستحتاج إلى سبع دقائق
-أسافر..!! إلى إين أسافر؟
دفعه باولو بينما كان ديفيد يحاول أن يفهم إلى إين سوف يسافر، سقط ديفيد داخل الينبوع، ونزل إلى القاع، وغطة الينبوع مادة شفافة من الخارج بشكل تلقائي لا يرى من الخارج، فهي تختفي لمدة سبع دقائق إلى أن ينتقل الشخص المتواجد بداخله.

يحاول ديفيد الصعود إلى القاع ولكنه غير قادر، على الرغم أنه بارع في السباحة، يهرب باولو إلى وسط الأشجار، ويلاحقه جيش من الكائنات الصغيرة(البناجيق) ويتحرك الكائن الرمادي بخطوات ثابتة.

باولو يركض والبناجيق خلفه، وذاك الكائن خلفهم يمشي بثبات، على الرغم من سرعة البناجيق ألا أن باولو أستطاع أن يختبئ منهم وتسلل إلى ذاك الكوخ الذي كان هو و ديفيد متواجدنا بالقرب منه ،
دخل إلى الكوخ وأغلق الباب وهو ينظر من النافذة الصغيرة إلى الخارج، وهو يشاهد البناجيق يركضون في الأرجاء ويبحثون عنه.

ديفيد في قاع الينبوع، وبدأ يغمى عليه بعد مرور السبع دقائق، وبدأ يسأل نفسه من جديد، أنها مجرد سبع دقائق كيف لا أستطيع التحمل أكثر، ولكن السؤال الثاني قد جذبه من السؤال الأول، وهو إلى إين سوف أسافر وماذا كان يقصد به باولو...
فقد ديفيد كامل وعيه، وبدأ جسده يتلاشى، وأختفى من المكان.

باولو ما زال محاصر في الكوخ والبناجيق حوله، لا يتيح له الفرصة للهروب من المكان، بينما هو ينظر من النافذة، ظهر ذاك الكائن الرمادي وهو أيضاً يبحث عنه، ألتفت الكائن الرمادي إلى الكوخ، بنظرة سريعة ومباختة ونظر في عين باولو مباشرةً، وبدأ بالسير نحوه بخطوات بطيئة وثابتة، أقترب الكائن من الباب، حيث لا يفصل بينهما ألا هذا الباب الخشبي، الذي لو ضربته ضربة خفيفة سوف ينخلع من مكانه، بينما باولو يتراجع إلى الخلف وهو ينتظر لحظة خلع الباب ودخول الكائن الرمادي، سمع صوت أطلاق النار، ورأى كيف ينفجر رأس الكائن الرمادي اللعين إلى اشلاء ويسقط أرضاً، غمره شعور متناقض بين السعادة و الخوف، سعيد بأن هذاك الكائن الرمادي قد مات وخائف من هو هذا الشخص الذي قتله، ربما يكون سفاح، ويقتله هو إيضاً، أو منقظ بطل هارب من روايات، سمع خطوات تتجه نحوه، طرق الباب، قلب باولو بدأ بالخفقان، ولكن عندما ذاك الشخص فتح الباب، أنصدم باولو،
من.!! هذا أنت..!!

سماء قرمزية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن