الواحدة صباحاً

22 6 9
                                    

كانت الأجواء مليئة بالسعادة والانبساط خلال الزيارة الأولى لـ داوود وعائلته لصديقهم المقرب الذي تزوج حديثاً. وصل داوود ومادلين وابنهما ديفيد إلى باب المنزل الواقع في قرية نائية بعيدة عن زحمة المدينة، حيث كانوا في استقبالهم صديقهم نواه وزوجته كاترينا. جلسوا جميعاً حول المائدة وتحدثوا وضحكوا، وكان داوود ونواه يشربان الويسكي بكثرة ويتحدثان بشغف. ملامح مادلين الأنثوية الجميلة وشعرها المموج باللون الذهبي المائل إلى الوردي يتناثر على كتفها، تنظرإلى داوود بنظرة خلسة بعينيها الناعستان وهو يحتسي من كأس الويسكي، شاردة الذهن بـ داوود بينما تتظاهر بأنها تستمع إلى حديث كاترينا.

وفي الوقت نفسه، كان الطفل ديفيد ذو الوجه الملائكي غير سعيد، فقد كان يرغب في اللعب والتسلية بدلاً من الجلوس مع الكبار الذين كانوا يتحدثون بأسلوب ممل بالنسبة له. فيما كان داوود يسكب كأساً آخر من الويسكي بدون ثلج، وكان يشرب بكثرة كعادته، الأمر الذي كان يزعج زوجته مادلين رغم أنها تعرف جيداً أن داوود لا يؤذي أحد سوى نفسه عندما يشرب بشراهة ويثمل. ولكنها كانت غاضبة منه، ونظراتها كانت تشير إلى أنه يجب عليه التوقف عن شرب المزيد. وفجأة، بدأ داوود بالحديث بطريقة غير منضبطة وقال لمادلين "أعطيني قبلة"، مما تسبب في إثارة غضبها ونبرتها الحادة. وحاولت التذكير به بما قال له الطبيب، لكن داوود كان مندمجاً مع حديث صديقه نواه، ولم يكن يستطيع السيطرة على نفسه. وفي النهاية، قام بإلقاء كلمات محرجة باتجاه زوجته "أعطيني قبلة، ليتسبب بالأنفجار العظيم، ليرد مادلين بنبرة فيها خجل ووجنتيها محمرتين "داوود توقف، نحن لسنا في المنزل
-ماذا وهل القبلة محرمة في هذا المنزل يا زوجتي الجميلة؟
-داوود أرجوك توقف
-حسناً يا طفلتي الجميلة يا نجمتي المضيئة.

فيما كانوا يتحدثون، وبينما كانت مادلين تحمل كأس العصير، وقع الكأس من يدها وانتشر العصير على فستانها الأزرق السماوي، مما تسبب في بقعة سوداء كبيرة. وعلى الفور قامت كاترينا بالانتباه إلى الوضع وعرضت عليها ملابسها لتغيير ملابسها، لكن مادلين رفضت وقالت إنها تريد العودة إلى المنزل لأن الوقت متأخر ويجب عليهم العودة. ولكن نواه رفض الفكرة وأكد أنه لن يسمح لهم بالمغادرة في هذا الوقت المتأخر، وأشار إلى أن داوود لا يمكنه القيادة في حالة سكر. ولكن داوود أصر على العودة إلى المنزل وقال إنه سيقود السيارة، فيما كانت مادلين تحاول بكل الطرق إقناعهم بالعودة إلى المنزل لأن داوود كان يشرب بلا توقف.

خرجوا من المنزل بينما نواه و كاترينا يتوسلان لهم بالبقاء، مادلين بأبتسامة على وجهها وهي تلوح بيدها مودعة:
-أخبرتكم لا تقلقوا أنا سأقود ولست ثملة لم أشرب ولا رشفة
بينما هما يتحدثان ركب داوود في مقدمة المركبة خلف عجلة القيادة، مادلين بنبرة حادة:
-ماذا تفعل؟
-أركبي يا عزيزتي
-لن اسمح لك بالقيادة وانت مازلت تحت تأثير الكحول
-لا تقلقي يا عزيزتي مجرد عشرين دقيقة ونكون بالبيت، وأيضاً الطريق خالي من المركبات
ويأخذ داوود القنينة المياه من مقعد الخلفي ويشربها، ليطرد الكحول من جسمه، مادلين: المياه التي شربته ليست شيء سحري لتعد لوعيك يا داوود أفندي
-هيا أركبي يا عزيزتي.

جدال طويل بين مادلين و نواه و كاترينا وبين داوود، ولكن في النهاية داوود العنيد حسم النزاع، وضعت مادلين ولدها ديڤيد في المقعد الخلفي وركبت المركبة إلى جنب داوود، حرك داوود المركبة وتوجهوا إلى المنزل.

الساعة الواحدة صباحاً، داوود ومادلينا و ولدهما متجهين إلى المنزل بمركبتهما، النعاس غلب على داوود، يحاول البقاء يقظاً ولكن في النهاية غلبه النعاس وأقفلت عيناه شيئاً فشيئاً،
يخرج المركبة عن المسار وينحرف عن الطريق ‏‏ليصطدم في الشجرة الموجودة على حافة الطريق، يحرك داوود بصعوبة جسده، ذراعه أصبح من الصعوبة رفعها، ينظر إلى يمينه يرى مادلين تنزف من رأسها، يلتفت إلى المقعد الخلفي، الطفل لا يتحرك، بدأ أمام عينيه يتحول لضبابية بسبب عيونه الممتلئة بالدموع، يخرج الهاتف من جيبه ويكاد أن يمسك الهاتف بين يديه، أحس بأن أصابعه أصبحت متجمدة ويصعب الضغط على لوحة المفاتيح، في حالة الصدمة والحزن و الذنب،

يصل الأسعاف، داوود جالس في الخارج وظهره متكىء على السيارة يداه تخفيان وجهه الحزين يبكي كالطفل، المسعفون يتفقدون مادلين و ديفيد، أنها تتحرك''يصيح أحد المسعفين بنبرة تفائل، يقف داوود من مكانه ويهرع نحوهم، أحد المسعفين:
-يا سيدي هل أنت بخير؟
-نعم نعم، ماذا عنها
-لا أعرف وضعها، ولكنها مازالت تتحرك، سيدي يدك مكسورة،
-لا يهم، أسرعوا أرجوكم
وضعوا مادلين و ديڤيد في سيارة الأسعاف وتوجهوا إلى المستشفى.

داوود كان جالساً في سيارة الإسعاف مع مادلينا، والدموع تنهمر من عينيه بشكل مستمر. بنبرة حزينة، قال لمادلينا "أرجوكِ، لا تتركيني، لا تتركيني وحيداً في هذا العالم القذر، لا تدعي قلبي يتيماً بدونكِ". حاول المسعف تهدئة داوود وقال له "أرجوك، إهدأ، ستكون بخير". ولكن داوود لم يكن قادراً على السيطرة على مشاعره، وقال بحزن "أنا ملعون".
حاول المسعف مجدداً تهدئة داوود وقال له "نعم، ستكون بخير". ولكن داوود كان في حالة يأس وحزن شديد، وكان يشعر بأن حياته قد انتهت بعد الحادث الذي وقع. ولكن المسعف حاول بكل شجاعة تهدئة داوود وإعطائه الأمل بأنه سيكون بخير.

داوود كان ينتظر بشدة أمام غرفة العمليات، الماء الذي شربه لم يساعده على التخلص من الكحول التي تواجدت في جسده أكثر من صدمة الحادث الذي مر به وأعاده على طبيعته، كان محطماً نفسياً ومنهاراً حزيناً.

فجأة، خرج أحد الأطباء من غرفة العمليات، فركض داوود إليه وعيناه تملأهما الدموع. وسأله بنبرة مرتعشة: "هل هم بخير؟". فأجاب الطبيب بحزن: "آسف". فقال داوود بصوت مرتفع ومندهش: "ماذا؟؟؟". فأوضح الطبيب بحزن أكبر: "لم نستطع مساعدتهم، الجروح كانت خطيرة جداً". فصرخ داوود: "أرجوك أكذب علي". لكن الطبيب كان صادقاً وقال بحزن: "آسف حقاً".

سماء قرمزية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن