22/بين الغرام و الهداية، تطوف الروح

1.5K 43 33
                                    

⊰ بين الغرام و الهداية، تطوف الروح⊱

"أي قلب هذا الذي يهيم في ظلمات الهوى، يبحث عن نور الهداية بين أضلعه؟ أي شوق هذا الذي يعصف بي كلما تذكرت عيونها؟"

٭٭٭٭٭٭٭


امتزجت أنفاسه بالنسيم الدافئ الذي يحمل عبقا غريبا من الأرض التي طالما اشتاق لاستكشافها.فبعد أسبوع حط رحاله على أرض الحرمين الشريفين، لكن لا شيء من جمال هذا المنظر أمامه و لا قدسية المكان يخفف من وجعه الذي تسلل إلى أعماق قلبه، كجذور شجرة مغروسة في صحراء قاحلة. مقلتيه تحدقان في الأفق الممتد، و لكن روحه لم تكن هنا بل تسبح في عالم بعيد، عالم تحتله امرأة واحدة...ميريام.

"يا الله، كيف استطاعت هذه المرأة أن تجعل قلبي أسيرا لذكراها؟"

تمتم لنفسه صوته مشوب بشجن عميق، كأنما يناجي الريح أن تحمله إليها.

النجوم تتلألأ في السماء لكنها بدت له باهتة مقارنة بوهج عينيها اللتين تسكنان ذاكرته. كل شيء حوله هنا غريب لكنه جميل، إلا أن هذا الجمال عاجز عن مداواة الألم الذي يعتصره منذ لحظة وداعها.

"هل تشعرين بما أشعر به،يا ترى؟هل تعرفين أنك تسكنين كل زاوية في روحي؟ أنك تسلبينني راحتي حتى و أنا في هذا المكان الطاهر؟"

استند على الحائط، يداه ترتجفان و الألم يسري فيهما كسريان دمائه. مشى نحو النافذة المطلة على المدينة،لكنه لم ير شيئا من ذلك. فهو يرى ميريام فقط، يرى ابتسامتها التي أضاءت حياته.و يتذكر تلك اللحظات القليلة التي جمعتهما. أغمض عينيه يردد ما سمعه من رائد عندما ينادي ايسبي حلالي.

"يا رب، إن كانت لي اجمعني بها في حلالك، و إن لم تكن فاجعلني قويا لأتحمل هذا الفراق الذي يقتلني"

شعر بحرقة دموعه التي تهبط ببطئ على وجنتيه كأنها تعبير صامتٌ عن الحزن العميق الذي يضغط على صدره. كل ذكرى عنها تضرب قلبه كسيف مسنون.

جلس على الأرض ثم وضع رأسه بين كفيه مغمض العينين

"يا رب، إني أحبها و أشتاق إليها، فصلني بها لتكون حلالا لي"

لم يتمكن من تحمل الجدران الخانقة التي تضيق من حوله، فخرج من الفندق تحت وطأة هموم أثقلت روحه كما تثقل السلاسل كاهل الأسير. مكة المكرمة تضج بالحياة في هذا المساء و أضواء الشوارع تتمايل على وقع خطوات المارة، لكن قلبه لم يكن هنا، فهو لازال عالق في حضرة امرأة شغلت كيانه حتى أصبحت كل شيء فيه.

مضى في طريقه بلا هدى كأنما يهرب من أشباح ذكرياته، لكنها تلاحقه في كل زاوية. كل نسمة عابرة تذكره برائحتها، و كل وجه غريب يلمحه يعيد إلى ذاكرته ملامحها. وجد نفسه يتجه نحو أحد الملاهي فقد أراد أن يغرق في عالم يعج بالضوضاء علّه يسكت صرخاته الداخلية.

مقيدة بإيمانهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن