---
الفصل الأول:
دلفت إلى غرفة ابنتها بهدوء، وجدتها ما زالت نائمة. فتوجهت إلى النافذة وفتحت الستائر. دخلت الشمس إلى الغرفة لتسقط على وجهها فأتأفأت بانزعاج وهي تعطي ظهرها للضوء وتمتمت بكلمات غير مفهومة. ابتسمت والدتها بحب وهي تتوجه إليها وتجلس على طرف السرير محاولة إيقاظها.
فاطمة: غيداء، هيا عزيزتي، انهضي.
غيداء، وهي ما زالت نائمة: أمي، دعيني أنام، فقط خمس دقائق، خمس دقائق.
فاطمة: لا، ولا دقيقة أخرى، هيا، الجميع ينتظرنا في الأسفل من أجل تناول الإفطار.
غيداء: لا شهية لي.
فاطمة: حتى إذا أخبرتك أن عُمَّير قد عاد؟
قفزت غيداء من مكانها وهي تسألها بسعادة: حقاً؟ هل عاد؟
فاطمة: نعم، هو الآن في غرفته...
لم تتركها تكمل كلامها، وقفزت من السرير مهرولة نحو غرفته. وقفت أمام الباب، قلبها ينبض بعنف. اشتاقت له حقاً. شهرين لم تراه فيهما بسبب انشغاله الذي لا ينتهي. أخذت نفساً عميقاً ويدها تربت على موضع قلبها محاولة تهدئته. ثم طرقت الباب برفق فلم تجد رداً. انتظرت خمس ثوانٍ أخرى، ثم فتحت الباب وأطلت برأسها من خلفه لتجد الغرفة خالية. لكنها استمعت إلى صوت الماء، إذاً هو في المرحاض. اتجهت إلى السرير وجلست، وهي تعبث بأشيائه: هاتفه، محفظته التي تحمل صورته بشكل دائم، وأخيراً عطره. استنشقت أكبر قدر منه حتى تملأ رئتيها به، ثم أطلقت تنهيدة وهي مغمضة العينين مستمتعة بتلك الرائحة التي تسكرها. ولكن ما أخرجها من حالتها هو سماعها لصوت الباب يفتح. توقّف قلبها لثوانٍ ثم عاد بسرعة رهيبة، ما إن أبصرته يقف أمامها عاري الجذع، يرتدي بنطالاً فقط، والماء ينزلق على جسده. ياللهي، لما هو ضخم هكذا؟ أحياناً تشعر أنها عصفورة في مواجهة أسد. ظلا ينظران لبعضهما في صمت، كل منهما يتأمل ملامح الآخر باشتياق. الوغد كادت تنسى كم هو وسيم. ظلوا على حالهم حتى نطق هو أخيراً وهو يفتح ذراعيه: "ماذا؟ ألم تشتاقي لي؟"
قفزت عليه تحتضنه، وهي تدفن وجهها في تجويف عنقه. طوقها بذراعيه محتضناً إياها بقوة كأنه يريد إدخالها بين أضلعه. استنشق رائحتها بجنون، كمن عاد إليه الهواء بعد غياب. ظلا هكذا حتى شعر بدموعها على عنقه. "ها قد بدأنا من جديد" قالها في عقله وهو يعرف ما الذي ستقوله.
غيداء، ببكاء: "لما تأخرت كل هذا، عُمَّير؟ لما؟ اشتقت إليك، كنت أموت في غيابك، صدقني."
عُمَّير وهو يربت على ظهرها بخفة: "شش... حبيبتي، اهدئي، ها أنا لقد أتيت... هاي، أنا آسف، حسناً؟ تعلمون ليس بيدي. عملت ليلاً ونهاراً حتى أستطيع القدوم إليكِ في أسرع وقت، يا صغيرة."