"صَدْمَةٌ"

439 39 16
                                    

وبعد مرور الثلاثة أيام ذهبنا مره أخرى إلى الطبيب.

الطبيب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

آمنة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الطبيب: هل تشعرين بتحسن الآن.

آمنة: بعض الشيء، لكن الألم ينتشر بجميع جسدي ويتمكن مني أيها الطبيب!

الطبيب: خير بإذن الله أعطيني الأشعة والتحاليل.

آمنة: تفضَّل.

الطبيب وقد لاحت عليه نظرات اليأس والحزن:

هل هذه التحاليل والأشعه لكِ أنتِ يا آمنة؟

قالت آمنة بنبرة تملؤها التوتر والذعر:

نعم! لعله خير! ماذا هناك أيها الطبيب؟!

قال بيأس شديد أمامها وأمام والدتها:

آمنة إنك فتاة مثابرة وذات عزيمة وشغف وطموحة وناضجة بشكل أكبر من عمرك.
قالها بنبرة تفاؤل.. كان عمري وقتها خمسة عشر عامًا.

قال: آمنه سأكون صريح معكِ...
آمنه إنك مصابة بسرطان في الدم، وإنك على حافة الموت، يجب ألا تتعرضي للإغماء؛ لأنك إذا تعرضتي له لن تستيقظي منه وستموتين.

قال تلك الجمله هكذا بوجه آمنة، فأطلقت ضحكة ساخرة وهي تقول له: هل أنت جاد أيها الطبيب كيف هذا؟!

صعقتُ وتسمرت بمكاني، وكأن العالم والوقت والأصوات وكل شيء توقف، وشعرت وكأن أحد ما قام بسكب ماء شديد البرودة علي، َّ وانهمرت الدموع من مقلتي غير مستأذنة مني ولا من عيني، وأجهشت بالبكاء رغمًا عني وعن أنفي... لا أحب الشكوى ولا أحب التظاهر بمظهر الضعيفة والمريضة أمام الآخرين... لا شك لديَّ بأن الشكوى والفضفضة تزيل جزء ثقيل الحمل من عليَّ.. لكنه يجلب لي نظرات الشفقة وعدد كبير من التساؤلات.. متى؟ وكيف حدث؟ ولماذا أنا؟ كل هذا وكثير من الأسئلة التي لا حصر لها، وحينها تلومني نفسي كثيرًا وتؤلمني؛ لأنني أشعر بأنني أظهرت نفسي بمظهر الضعيفة والمثيرة للشفقة، أندم على تفوهي ببعض من الكلمات أمامهم، كثيرًا ما كنت أقرر بعدم إخبارهم بآلامي، لكن أين أخفيها؟ أين؟ أحاول التظاهر أمامهم دومًا بالثبات والتظاهر بأنني بأحسن حال.. ذلك الشعور مؤلم حقًّا، لكن ليس كشعور أن تجد نفسك تُلقى بنظرات الشفقة والاستحسان.

لكن لا يمكنني أنا آمنة أن أنكر أن هنالك أشخاص يستثنوننا دائمًا؛ فهناك أشخاص يعرفوننا ويعرفون إعصار المشاعر المتهيجة بداخلنا.. بنظرة واحدة منهم على نظراتنا وأعيوننا وحركاتنا، حتى ضحكاتنا التي تكون غير نابعة من قلوبنا يعلمون جيِّدًا متى نكون بخير ومتى لا نكون؛ ولأننا لا نجيد فن التحدث نكتفي فقط بقول أننا بخير!

استوعبت ما قاله الطبيب بعد ثلاثة أيام من ذلك اليوم الذي لا أريد تذكره حتى لا أريد أن أخبركم حتى بردة فعل مصطفى أخي الكبير... لقد بكينا معًا وذرفنا جميع دموعنا حتى أغرقت ملابسنا والوسادة لقد قام بمعناقتي وهو يقول:

إننا في حلم يا آمنة وسنستيقظ بالتأكيد بإذن الله.. يا الله أيقظنا هذا ليس حلم بل كابوس يا الله.

وأبي وأمي كادت دموعهم أن تجف من أعينهما من شدة البكاء ولكن هذا ما حدث وهذا نصيبي من الحياة وأحمدُ الله على ذلك.....

لم يصمت أحد بل أخذوني إلى أكثر من طبيب وجميعهم يقولون نفس الشيء.. تملكني اليأس والحزن وأجهشت بالبكاء في صلاتي وأنا أتمنى من الله أن لا أموت؛ فأنا لم أحقق شيئًا من أحلامي وطموحاتي يا الله.
ويا ليتها كانت تلك هي صدمتي الوحيده بل هذه كانت البداية فقط.

بَقَايَا مُمَزَّقَة _مُكتملة_حيث تعيش القصص. اكتشف الآن