34-عَبَقُ ذِكراك

3.3K 329 352
                                    

وإني أشعرُ بالكونِ عالِقاً في حلقي
و بمجراتهِ عالِقةً في عيناي تمنعُ أي ثغرةٍ ينسابُ من خلالها ادمُعي

"سيدي أأنتَ على ما يُرام؟"
نادى عليّ ذالك الشاب الفرنسي فأعطيتُهُ انتباهي اللذي تشتت بفعلِ ما قاله عن سفر جُنغكوك ، هل عاد الى موطنهِ ياتُرى؟الم يقُل بأنني أنا موطنه؟فأين عساهُ قد هاجر إذاً؟؟

"عليّ الدخول الى شقتك للتأكُدِ من بعض الأمور ، إنهُ إجراءٌ أمني"
قلتُ لهُ كاذِباً في قولي ، عقد حاجبيه لغرابة طلبي ولكن سريعاً ما فسح لي المجال قائِلاً
"تفضل بالدخول سيدي"

ابتلعتُ ريقي اتقدم باولى خطواتي الى داخلِ الشقة
ليمُر عَبَقُ الذكرياتِ في طريق ذاكرتي
وأغرقُ بالحنين من رأسي حتى أخمصِ قدماي

جلتُ بعيناي في غُرفة المعيشة ، إنها لا تُشابه الهيئة التي تركتُها عليها..
لقد تغيرت كثيراً

نظرتُ الى مدفئة الحائط لتلمع عيناي لكم الذكريات التي ترتاحُ بجانبها
إذ كُنا نجلسُ قُرب بعضنا لليالٍ أمامها ، أحكي لهُ قصصاً عايشتُها قبل ظهورهِ في حياتي ، ويرُد عليها ضاحكاً مُتبسماً ، وما أردتُ أكثر من ذلك..

نظرتُ الى جهاز الراديو ، لقد تغير أيضاً ، إنهُ حديثٌ لا يشابه جهاز الراديو اللذي كان يجعلنا نتراقصُ على انغامهِ كُل صباحٍ قبل أن أُقرر تدنيس كُل جميل ببرود أعصابي وتبلُد مشاعري

مشيتُ بضع خطواتٍ الى الامام ، مددتُ يدي وأرحتُها على قماش الأريكة
إنها ذات الأريكة التي كان يغفو عليها على حينِ غرة ويأبى قلبي إيقاظهُ بعد ان غط في نومه ، فآتي لهُ بغطاءٍ ثقيل وأُدثرهُ بِه مانعاً من البرد مَس أديمه

نظرتُ الى النافِذة التي رقدت على جوانبها بقاية الثلوج التي تنجلي رويداً رويداً بسبب وشوك فصل الشتاء على الانقضاءِ أخيراً..اليست ذات النافِذة التي كان يجلسُ عندها يُراقب ليلة النجوم
ويندهُ عليّ بصوتهِ المبحوح يدعوني قائِلاً
"تايهيونغ تعال وانظُر ، هُناك الكثير مما في عيناك يملئُ السماء"

مشيتُ في الرواق المؤدي الى المطبخ بخطواتٍ عسكرية تعكسُ الثبات
إلا أن قلب صاحبها كمن مر فيهِ زلزالٌ فبعثر كُلَ مافيه

كان بابهُ موصداً فأمسكتُ بالمقبضِ أفتحه ، وقفتُ لدقائق أُلملمُ شتاتي ، ودخلتُ على رسلي كي لا أُصدِر صوتاً يوقظُ تلك الذكريات

فإني أكرهُ ذاتي أكثرَ ويزدادُ كُرهي لها ، في كُلِ مرةٍ تطنُ ببالي ذكرى عاملتُهُ فيها بِسوء ، فأنا لم أتعمد ، إن بُغضي من فَعل

في تِلك المرة التي صرختُ فيها بوجهه بأنهُ جعلني أسأمُ اكثر شيءٍ أحبه،حين ظل يطهو لي الطعام اللذي اُحب طوال اسبوعٍ ، ظننتهُ سيغضب بدوره على قُبح فعلي ، أن يخبرني بحقيقة أنني لا أستحقُ ما يقدمه لي مِن إهتمام ، أن لا يطهو لاجلي ثانيةً وأن لا يُحادثني حتى أعتذرَ مِنه
إلا أنهُ لم يفعل أياً من ذلك
انما اعتذر لي مُتأسفاً قائِلاً أنهُ لم يقصد فِعلَهُ هذا!

حَتى تُشرِق مِن مَغرِبهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن