رنت الجرس المعلق على الجدار بجانب إطار الباب ذو اللون البيج، لتنتظر قليلاً حتى أتاها صوت طنين مزعج...فخمنت أن والدتها تقوم بغسل الملابس فى الغسالة العادية، و هذا ما يفسر عدم فتحها للباب فمن الواضح أن الصوت العالي لم يسمح لها بسماع الجرس المدوي، فمدت يدها فى حقيبتها و أخرجت أحد دفاترها لتمزق ورقتين منه و تفردهما على عتبة الباب لتقعد عليهما بملل حتى تقفل والدتها تلك الغسالة المزعجة و هذا ما حدث بالفعل و لكن بعدما تلقت نظرات من جيرانها و بعض الهمسات و الضحكات من جاراتها الفضوليات.
فعاودت الضغط على الجرس لينفتح الباب سريعًا و تطل من وراءه أمرأة أربعينية....تشبهها إلى أقصى حد ممكن، و تضع إيشاربًا خفيفًا على رأسها بإهمالٍ مشمرة عن ساعديها، أما بالنسبة لعبائتها المنزلية فهى مبتلة إلى حد ما.
ارتسمت على وجه المرأة علامات السرور و الترحيب الحار بها، و باتسامةٍ الأم الحنونة قالت معتذرة منها: معلش يا حبيبتي ، كنت بغسل و ماسمعتكيش بسبب الغسالة.
شتان ما بين حالتها منذ قليل و حالتها الآن، فقد أرتاح الفؤاد برؤية والدتها و ذهب الملل مع بسمتها الودودة و حنو نظراتها البراقة.
انبسطت شفتاها ببسمة واسعة ثم نبست بـ :
_مستنيتش كتير ، و بعدين أنا عمري ما أزعل منك يا صافي.افسحت لها "صفية" المجال لتعبر إلى الرواق و توصد هى الباب من بعدها و قد زاد وجهها اشراقًا و بسمتها اتساعًا.
استراحت "إيناس" فوق الأريكة و فكت حجابها لتلقيه بجانبها بإرهاق كاسٍ عينيها، وهى فى الشروع لتدليك رقبتها استمعت لكلمات والدتها بشكل شبه منصت حيث تشدقت "صفية" بـ :
_أكيد ماتغديتيش.... أنا عارفاكي.و من ثم سارت قبالتها لتستقر إلى جوارها من الناحية اليمنى ، و صوبت مقلتيها نحوها بنظرات مهتمة....
أعلمتها "إيناس" بـ :
_طبعًا...مافيش كلام...أنا مباكلش غير من ايديكي الحلوين دول.انهت عبارتها بقبلة على كل يد ، وهى تضم يدي "صفية" المجعدتين _نوعًا ما_ بين كفيها النضرين.
تأملتها "صفية" بفخر و اعتزاز لكونها ابنتها ، ثم سحبت كفها الأيسر لترفعه إلى شعر "إيناس" المكشوف داعية فى سرور:
_ ربنا يباركلي فيكي إنتي و أخوكي "عرفة"، ولا يحرمني منكم .... يارب._ اللهم آمين ... و يديم وجودك ف حياتنا يا ست الكل.
و تأثراً بدعاء ابنتها حركت "صفية" يدها مجدداً على شعر "إيناس" حتى انفكت عقدته الغير منظمة لينفرد و يصير منسدلاً إلى أن تعدى ظهرها فلامس الأريكة بأطرافه.
- طيب يا حبيبتي .... أنا هسخن الأكل فى المطبخ.
هزت "إيناس" رأسها بالإيجاب و ردت فى إيجاز:
_ماشي.
أنت تقرأ
رغم قسوة الحياة سأحيا
Bí ẩn / Giật gânمزَّقته وحوش الحياةٍ بين أنيابها، وطوَّحته رياحها العاتية بين دروبها مُنهكًا مكسورَ القلب كعصفورٍ كُسِرَ جناحاه. تعوَّد طعم الألم والمرارةٍ حتَّى التقاها فخففت عنه وطأة آلامه، وكأنما في ظهورها شفاءٌ لجروح روحه الغائرة. أذابت الجليد المتراكم على قلب...