الفصل الثالث. "ابن خاله ، وعدو قديم"

157 9 2
                                    

رنت الجرس المعلق على الجدار بجانب إطار الباب ذو اللون البيج، لتنتظر قليلاً حتى أتاها صوت طنين مزعج...فخمنت أن والدتها تقوم بغسل الملابس فى الغسالة العادية، و هذا ما يفسر عدم فتحها للباب فمن الواضح أن الصوت العالي لم يسمح لها بسماع الجرس المدوي، فمدت يدها فى حقيبتها و أخرجت أحد دفاترها لتمزق ورقتين منه و تفردهما على عتبة الباب لتقعد عليهما بملل حتى تقفل والدتها تلك الغسالة المزعجة و هذا ما حدث بالفعل و لكن بعدما تلقت نظرات من جيرانها و بعض الهمسات و الضحكات من جاراتها الفضوليات.

فعاودت الضغط على الجرس لينفتح الباب سريعًا و تطل من وراءه أمرأة أربعينية....تشبهها إلى أقصى حد ممكن، و تضع إيشاربًا خفيفًا على رأسها بإهمالٍ مشمرة عن ساعديها، أما بالنسبة لعبائتها المنزلية فهى مبتلة إلى حد ما.

ارتسمت على وجه المرأة علامات السرور و الترحيب الحار بها، و باتسامةٍ الأم الحنونة قالت معتذرة منها: معلش يا حبيبتي ، كنت بغسل و ماسمعتكيش بسبب الغسالة.

شتان ما بين حالتها منذ قليل و حالتها الآن، فقد أرتاح الفؤاد برؤية والدتها و ذهب الملل مع بسمتها الودودة و حنو نظراتها البراقة.

انبسطت شفتاها ببسمة واسعة ثم نبست بـ :
_مستنيتش كتير ، و بعدين أنا عمري ما أزعل منك يا صافي.

افسحت لها "صفية" المجال لتعبر إلى الرواق و توصد هى الباب من بعدها و قد زاد وجهها اشراقًا و بسمتها اتساعًا.

استراحت "إيناس" فوق الأريكة و فكت حجابها لتلقيه بجانبها بإرهاق كاسٍ عينيها، وهى فى الشروع لتدليك رقبتها استمعت لكلمات والدتها بشكل شبه منصت حيث تشدقت "صفية" بـ :
_أكيد ماتغديتيش.... أنا عارفاكي.

و من ثم سارت قبالتها لتستقر إلى جوارها من الناحية اليمنى ، و صوبت مقلتيها نحوها بنظرات مهتمة....

أعلمتها "إيناس" بـ :
_طبعًا...مافيش كلام...أنا مباكلش غير من ايديكي الحلوين دول.

انهت عبارتها بقبلة على كل يد ، وهى تضم يدي "صفية" المجعدتين _نوعًا ما_  بين كفيها النضرين.

تأملتها "صفية" بفخر و اعتزاز لكونها ابنتها ، ثم سحبت كفها الأيسر لترفعه إلى شعر "إيناس" المكشوف داعية فى سرور:
_ ربنا يباركلي فيكي إنتي و أخوكي "عرفة"، ولا يحرمني منكم .... يارب.

_ اللهم آمين ... و يديم وجودك ف حياتنا يا ست الكل.

و تأثراً بدعاء ابنتها حركت "صفية" يدها مجدداً على شعر "إيناس" حتى انفكت عقدته الغير منظمة لينفرد و يصير منسدلاً إلى أن تعدى ظهرها فلامس الأريكة بأطرافه.

- طيب يا حبيبتي .... أنا هسخن الأكل فى المطبخ.

هزت "إيناس" رأسها بالإيجاب و ردت فى إيجاز:
_ماشي.

رغم قسوة الحياة سأحيا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن