كان عليَّ أن أدرك أن الهروب لم يكن حلًا.
لم استطع بالرغم من بُعدي عن أماكن ذكرياتي الأليمة أن أمحوها من ذهني، ويبدو أنها ستظل ترافقني مدى الحياة وستدخل معي قبري.....
فنُدب الألم باقية محفورة في فؤادي كالنحت في صخورٍ قاسية لا تزول أبدًا..
والألم كما هو لم ينقص مثقال ذرةٍ رغم تبدل البلاد.
الظلام الذي في داخلي لا يتبدد بالرغم من شروق الشمس كل صباح.
الحزن المُحَطِم لعزيمتي وطاقتي يعتصر روحي بالرغم من كل مُسببات الفرح حولي.
الوحدة لا تنفك عن نهش صمامات قلبي رغم عدد الأُناس الذين يحيطون بي ويحتوونني باهتمامهم ومودتهم.
هذا كله لأن نبع الحب "أمي" ودرع القوة "أبي" ليسا في هذا الكون معي...
"نشوى"...ــــــــ♬♬
اربطوا أحزمتكم، وتعالوا معي لنسافر إلى الولايات المتحدية الأمريكية، سنتوجه لولاية "نيويورك"، الساعة هنا الواحدة صباحـًا؛ لأن فارق التوقيت بينها وبين القاهرة ست ساعات.سنتوقف قليلًا أمام منزلٍ فائق الفخامة والرُقي، مزيج آسر من الثراء والبساطة، دعونا نترك حديقته الخلابة جانبًا ولندخله سويًا، تسللوا معي بخطواتكم، كونوا حذرين، كي لا نوقظ ساكنيه، تجاهلوا كل ما يحيط بكم من أثاثٍ عصري، ولنتجه بعيوننا إلى البهو المشغول بالأرائك والمقاعد.
وها هي غايتنا تجلس مُتربعة على أريكةٍ واسعةٍ مُنفردة، تتابع فيلمًا كرتونيًا وعلى كلا فخذيها يستقر رأسيْ فتاتيها.
تنهدت براحةٍ مُتمتعة بتدليك فروة رأسيهما، شعورها نحوهما لا يوصف، هما غاليتيها، لا تملك في الدنيا أعزَّ منهما، انقلبت الأصغر سِنًا _بنية الشعر_ على ظهرها تطالعها بعيونٍ ظريفة لامعة وهمست تناديها بخفوتٍ لطيف:
_! Mam (ماما).ردت عليها تتسائل بنبرةٍ حنونة، وهي ترتب لها شعرها:
_? What (إيه؟)_. I love you so much (أنا بحبك جدًا)
قالتها الصغيرة وابتسامة بريئة تضيء محياها الطفولي، فبادلتها أمها ببسمة رائقة سعيدة ورددت على مسامعها بعاطفةٍ أمومية زرعها الله في قلبنا مذ رُزِقَتْ بها:
_I love you too, Sally . (أنا كمان بحبك يا سالي)_ كفاية يا سالي، لو عمو "راني" سمعكوا هيطين عيشتنا.
اقتحمت هذه الجملة العربية بالعامية المصرية الحوار مُغيرة إياه جذريًا، فالتفتت لصغيرتها الثانية _صاحبة الجملة السابقة_ بحاجبين معقودين انزعاجًا مما سمعت، وقالت فورًا بسخط:
_نعم؟!!!أومات الفتاة الكبرى _صاحبة الشعر الأشقر_ بلطافةٍ وأكدت بنبرتها الهادئة الوديعة:
_أه يا مامي زي ما بقولك كدة، عمو مَحرج علينا نتكلم بلغة غير العربي قدامه، وخصوصًا الانجليزي.يبدو أن والدتها ستقيم حربًا ما بسبب عمهما ذاك، وهذا ما ظهر في صوتها الحانق بفظاظةٍ قلما تكون عليها؛ لكونها شخصية ودودة لطيفة:
_وده ليه إن شاء الله؟
أنت تقرأ
رغم قسوة الحياة سأحيا
Mystery / Thrillerمزَّقته وحوش الحياةٍ بين أنيابها، وطوَّحته رياحها العاتية بين دروبها مُنهكًا مكسورَ القلب كعصفورٍ كُسِرَ جناحاه. تعوَّد طعم الألم والمرارةٍ حتَّى التقاها فخففت عنه وطأة آلامه، وكأنما في ظهورها شفاءٌ لجروح روحه الغائرة. أذابت الجليد المتراكم على قلب...