الفصل التاسع عشر. "أطياف الموت"

94 2 0
                                    


في طريقنا للانتقام قد نؤذي أنفسنا ويمتدُّ الأذى لمن حولنا، لكنها قاب قوسين أو أدنى من إزهاق روحها في سبيله!

شهقاتُ ألمٍ راحت تتفلتُ من بين شفتيها المطبقتين، ضغطت على أسنانها بقوةٍ وغرست أظافرها في لحم كفها، كتمت صيحة ألمٍ بعدما سُحبت السكين _ بعنفٍ شديد_ من كتفها.

أبقت عيونها على شاشة هاتفها المفتوح، ترى من خلاله تعبيرات الألم المنتشر على قسماتها، تنفست ببطءٍ وضغطت الهاتف بين بنانها تكبح بهذا أعاصير الألم والغضب التي تعتمر دواخلها.

سالت الدماء على طول كتفها فبللت ثيابها، رمشت "إيناس" وأنفاسها مُتباطئة، خفق قلبها خفقةً مؤلمة مع شعورها بالدم يُسحب منه بقوةٍ آلمتها، لم تأبه بكل هذا حينما كتمت صوت هاتفها وطلبت رقمًا مُسجلًا باسم "تغريد"، ثم ألقته بعيدًا عن الأعين المتربصة بها.

زايدت من ضغطها على أسنانها مقاومةً الوجع المتفشي في موضع الإصابة كقطعانٍ من الضواري، كأفواجٍ من الطيور الجوارح التي تنهشُ جثث الموتى.

وقفت "إيناس" مُلتفتةً لمن خلفها مُحاربةً شعورها الجارف بالوجع المضني، احتدَّت تعبيراتها _الغائمة في أبحرٍ من الألم_ برؤياها لأكثر وجه تبغضه في الوجود، ذاك الوجه المُفعم بمشاعر سوداوية وذكرى مأساوية.

شاهدتها كيف تبتسم بتلذذٍ بمرأى الدماء تتدفق منها بغزارةٍ، كأنما ظفرت بفوزٍ عظيم.

همَّت المرأة بإصابتها مجددًا لما دفعت يدها بالسلاح الأبيض نحوها، فتحوَّلت ملامح "إيناس" لما هو أشدُ حدةً، وتمكنت بصعوبةٍ من تفادي نصل السكين قبل أن يلتحم _مرة أخرى_ مع جسدها عندما قفزت خطوتين للخلف، رأت أمامها الشر متجسدًا في "ضرّةِ خالتها" في أبشع صوره.

رأتها لاتزال مبتسمةً بطريقةٍ توحي بأشياءٍ كثيرة مرعبة، لكنها ليست من تخاف حتى وإن كانت في نفس المكان مع قاتلة خالتها.

احتوت "إيناس" جرحها ضاغطة عليه بكفها، اختلَّ توازنها _نوعًا ما_ إثر الدوار الذي لفَّ رأسها، لكنها شحذت قواها لئلا تمنحها الأفضلية عليها ولكي لا تُشعرها بتأثرها _البالغ_ بالطعنة.
حدقت في عينيها الشريرتين بثباتٍ وجسارة، لاحت على ثغرها بسمةٌ ساخرة وهي تحدِّثها بمزيجٍ من غضبٍ ورغبةٍ في انتقام قريب:
_ كنت متوقعة إنك هتجيلي برجليكي، ومش غريب على واحدة قاتـ ـلة زيك إنها تقــ ــتل تاني.

_ بالظبط كده، أنا جاية ومش ماشية غير لما أطلع بروحك.
قالتها المرأة مُبدية عزمها على انتزاع روحها بلا أدنى ترددٍ، ثم راحت تحوم حولها وهي تقلب السكين بين يديها، وأثناء ذلك تحدثت مشيرة للقبر القريب _جدًا_ منهما:
_ متعرفيش "نجوى" كانت غالية عليا قد إيه، وأنا ميرضينيش تكون لوحدها من غير ونس.

اُضْرِمَت نيران الغضب في عيني "إيناس" واحمرَّ _وجهها الشاحب_ انفعالًا، وصاحت _من بين أسنانها المتضاغطة_ بتحذيرٍ:
_متجيبيش سيرة خالتو على لسانك يا... يا "لمياء"، وإلا هتشوفي مني وش تاني.

رغم قسوة الحياة سأحيا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن