الفصل السادس عشر "نارٌ جحيمية"

67 4 0
                                    

"القاهرة، شركة المنسي"

وتبقى في الفؤاد آثارُ خالدة مِن ماضٍ أليم يَكوي صاحِبه بمرارةٍ، تنسيه أفراحَه وأحزانه، لتكون تلك الآثار الدامية مُسيطرة، قاهرة، لها الغَلبة على باقي المشاعر المَنسية.
مَهلاً!، لازال الإيمان يُجدي نَفعًا، ففي أحيانٍ يُوقِفُ تأثير الماضي، ويُبينُ حَلاوة الحاضِر مع وُجود مُرِه، لتكون المُعادلة مُتوازنة، فيتجرعُ المرَ صابرًا، ويستلذَ بالحلوِ مُستمتعًا راضيًا.
لم ولن يَستسلمَ أو يُسلمَ للماضي.

سيظلُ يُكافح حتى آخر رمق، وإن أحب أحدًا بإخلاص لن يتخلى عنه، وسوف يتمسك به ويحميه ولو بروحه، فهو سخي في حبِه، مِعطاءٌ في وُدِه، لا ينسى جميلًا أو مَعروفًا قُدِمَ إليه.

هذا هو "طلال المنسي".

ستبقـى نُدب الماضـي بآثارها البغيضـة تُعَكِر علـيه صفو أيامـه، مهما تحلـى بصبرٍ أو تمسكَ بأملٍ في الجبر.

صياح الصحفيون يصله مكتومًا لكونهم خارج الشركة، ورطته كبيرة هذه المرة، يرجو أن ينفض جمعهم قريبًا، وأن ينجلوا راحلين بلا أي خسائر قد تصيبه أو تؤثر سلبًا على سير عمله.

زفراتٌ ساخنة أطلقها من صدره المُعبء بحمولٍ كالجبال، مُشكلاته لا تنتهي، وكلما أرخى كتفيه هنيهة بوغِت بمهامٍ أخرى يتوجب عليه القيام بها.

وحوش الألم تفتِك به، تفترسه، تأكل عزيمته بتروٍ مُريع، هو ناقمٌ على الحياة رغم إيمانه بالمولى، وبقدرته على تسكين جِراح قلبه بِعُمقها؛ لأنه إنسان، يأتي عليه حين فيستسلم لشرور نفسه، ولكن المُميز فيه أنه يضع لجموح غضبه حدودًا لا يتخطاها مع أيٍ كان.

يعرف متى يكون أحن البشر ومتى يكون أقسى من الحجر!

يعرف متى يعنف ابن خاله باسل ويشد أُذنه، ومتى يضمه ويطبطب على ظهره ليطمئنه!
يعرف متى يزجره، ومتى يحتويه بحنانه الآسر!

يعرف متى ينشغل به عن الدنيا، ويعيطه كل اهتمامه، ويجعله في صدارة أولوياته، وفي نفس الوقت يعرف كيف يلتهي بالعمل عنه حتى يظن أنه قد نساه، وما هو بناسيه!

كذلك لديه المَلَكَة في التحكم ببعض مشاعره تُجاه ذاك الفتى الطائِشِ "سامي"، والذي لو كان احتكَّ بأي أحدٍ سواه لكان ألقاه في السجن بلا شفقة، لهذا فـ"طلال" مُغاير لـغيره، ستجد عِنده خصالًا حميدة، نادرة الوجود في كثيرين، يتسع صدره لإحتواءِ كل من يستحق العون، ويُمد من يحتاج إليه بالغوث والمُساندة.

أما عن سلبياته فمنها: أنه لا يتقبل النقد بصدرٍ رحب، ولا يحبُ أن تُلقى إليه الأوامر، أو أن يُفرض عليه رأيٌ لا يتوافق مع معتقداته.

سار "طلال" بثباتٍ مُطعمٍ بالفخامةِ مُوزعًا أنظاره على موظفيه، تباينت نظراته ما بين رضا وتقدير وراحة؛ فهم دومًا لا يخيبون رجاءه، ولا يخالفون توقعاته وآماله التى يعلقها عليهم .

رغم قسوة الحياة سأحيا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن