الفصل الثالث

33 10 1
                                    

فزع سيف إلى صراخ ندى فلم يتمالك نفسه لحظةً، بل إندفع برعب إلى غرفتها يقتحمها بقوة وقد هالَهُ ما وجده، حيث وجدها تبكي بعنف وهي تنتفض وتشهق وكأنها لا تستطيع التنفس، إقترب منها بسرعة وهو يحاول ألا ينهار من كثرة أحداث اليوم المرهقة لأعصابه، جلس حِذائها على الفراش ثم أمسك وجهها بين يديه وهو يتحدث بسرعة ولهفة يتخللها القلق: ندى! حبيبتي اهدي عشان خاطري، ندى بالله عليكي اهدي، أنا هنا ي قلبي أنا جنبك مش هسيبك خالص.

ندى وهو مازالت محتجزة في أحداث المصعد: طلعني من هنا ي سيف أنا خايفة بالله عليك طلعني.

هل تعلم مقدار الخوف؟ أن تخاف من أي شيء وكل شيء، أن تتذوق علقم الخوف، الخوف من الناس، من الحب، من الأصدقاء، من الوحدة، نجيب محفوظ يقول: " الخوف لا يمنع الموت، وإنما يمنع الحياة"، رأيته بنفسي، رأيت كيف يمنع الخوف الحياة، رأيت كم أن الموتَ سهلٌ مقارنةً بالحياة المقترنة بالخوف.

كانت تتحدث وهي تبكي ولا تشعر بما حولها أو بمن حولها، فقط هي محتجزة في المصعد المظلم، تتمني لو تتشبث بأي ذرة أمان.
هل تدري مقدار إحتياج المرء للأمان؟ حتى أنه قد يشحذه! يستمر خائفًا أن يُجرب فيُخذَل فيُكسَر، يفضل العزلة عن الجمع المؤذي.

كان ينظر لها بقلبٍ مكلوم؛ وجعًا لما تعانيه، لم يسعفه بكاؤها ولا إرتجافة جسدها فلم يشعر بنفسه سوى وهو يعانقها بعنف، يحاوطها كليًا بين ضلوعه ودموعه تنساب بألم، يريد أن يتوقف هذا الألم الذي ينخر داخله، يتمني أن تكون بخير، أن يكونا بخير، سويًا.
___________________________

في أحد النوادي الليلية، يجلس هو برفقة أمثاله الذين يفتقرون الدين، الخجل والحياء، يسترق النظر إلى من تتمايل بشكل مقزز، يبتسم بخبث لمن تبتسم له إبتسامة لعوب، غافلًا عن اليوم الذي سيرجع فيه إلى الله.

إقترب منه أحد رفاقه: بس يسطا الواد بوظك خالص، وشك بقي عامل زي طبق المسقعة.

ضحكوا عليه فنظر لهم بشر: م خلاص ي خفيف، وبعدين هو اللي خدني ع خوانة.

نظر له رفيقه بسخرية: ع خوانة بردو؟ وبعدين رايح تعاكس البت بتاعته عايزه يعملك اي ؟ يسقفلك؟

قال رفيق آخر: ماهو سقفله فعلاً بس ع وشه.

ضحكوا مرة أخرى فوقف بغيظ وضيق: تصدقوا أنا غلطان إني قاعد معاكم، أنا هشوف حتة تانية أقعد فيها.

رحل إلي مقعد في أحد الزوايا وجلس عليه بعنف، جاء إليه رفيقه الأول وقال بهدوء: ع فكرة إحنا بنهزر معاك متبقاش عيل صغير.

قال بحنق: سامي سيبني لوحدي أنا مخنوق أصلًا.
سامي بتساؤل: مخنوق من اي؟ إنت أهبل ي عم إنت ؟ يعني إنت اللي غلطان ومخنوق عشان ضربك؟ ما قولتلك ابعد عن ندى عشان هتلاقي قطر ف وشك مسمعتش كلامي.
نظر بعيدًا بشرود وخبث: مش أنا اللي أبعد عن حاجة دخلت دماغي.
نظر له سامي بشك: إنت ناوي على اي ي وليد؟
إبتسم وليد بخبث: ناوي على كل خير.
__________________________

تُشبِهين الوَرد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن