وَاحِد وَثَلَاثُون

62 3 0
                                    

"كأنه يعرف كلّ شيء ويجهل كلّ شيء، بالرهافةِ والخوفِ اللذين يتجاسرُ بهما المرء لأول مرة على تربيتة، على كلمةٍ ضروريّة."

- أنطونيو مونيوث مولينا

..

تتعاقب الأيام ويغريني شعوري نحوك بالعودة في الزّمن،
إلى الجهل، إلى ما وراء الضّوء الذي سُلِّط على الإجابات..

وكيف أكونُ غيرَ ذلك!
فالأثيرُ أنت؛ موجودٌ بآثارِك ومع هذا لا تُقاس..
لا أدري إنْ كنتُ كوكباً أو نجماً في عالمك
لكنّكَ تملأ كَوني، وتحملُني على
إظهار نوري للعالم، بينما أعاكسك بالظلام..

لا ينجو الإنسان بصدقه أحياناً،
الأفكار تصطادني وكلُّ كلماتِ الحقيقةِ الغريبةِ التي قلتُها لك
تصيبني بسهامها ومعانيها..

أوَلَا تعلم! بأنّ الجروح الصغيرة تتأخر حتّى تندمل أيضاً،
كنت أنزف ردودَكَ المُقتضبة فوق أوراقي العلمية،
وأسيل عندما أستلقي على السّرير،
ذيول الانكسار تلحقني في السوق،
وأشعر بِـ اِلْتوائي أمامَ الطعام..

شخصٌ معكوفٌ مثلي لا يستطيع أن ينخلعَ من جذوره..
كيف أنخلع منك وقد كانت تربتنا واحدة!
جذورنا تشابكت بقوّة،
كيف أقتلعُ نفسي من الأرض التي احتوتني؟
الذّكريات في كلّ مكان، حولي وداخلي..

وفي أحلكِ أوقاتنا أيضاً، ها أنا ذا أرغبُ بمحادثتك،
أريد أن أخبركَ عن البنطال الذي لطالما حلمتُ باقتناءه، كيف عثرتُ عليه في زاوية أحد المحال التجاريّة لكنّه لم يكن بالقياس المطلوب..
أريد أن أخبركَ بأنّك كهذا البنطال؛
يستحيل أن أدركك، يستحيل أن أحصلَ عليك، أعلم،
يستحيل أن تجعلني أدخل ظُلمَتك..

في عقلي أرى بحراً هائجاً مظلماً، أريد أن أرسمه بشدّة والغضب يتقطّر منه بنقاط حمراء مشتعلة،
منارتهُ مظلمة تستقر على الجانب لا تمنح نوراً، وفي هذا البحر قاربٌ وحيدٌ فيه شعلة يطلب النجاة..

أو أن أرسم منظراً صيفياً لشمسٍ حارقة تشعّ فوق حقلٍ من الأزهار البيضاء والحمراء وفي مركز اللوحة حيث يكون منتصف الحقل، الزهور ذابلة، متكسّرة، حطّمَتها آثار الأقدام العابرة بقسوة..

تتوافد الأفكار هكذا على هيئةٍ غريبة أحياناً، أحاول كبحها، لكنّها صورٌ شعوريّةٌ منهمرةٌ بالفعل، ملوّنة وواضحة في رأسي..
أفكارٌ من الحاضر ونحو الماضي البعيد تتراكمُ في عقلي..

وقد أنتهي برسمِ لوحةٍ نيليّةٍ فقط، الليل عميقٌ صامتٌ فيها،
والمباني بعيدة مموّهة مشوّشة، متناهيةٌ أطرافُها مع السّماء الخالية..

2:20 am

..

4:44 amحيث تعيش القصص. اكتشف الآن