ثَلَاثَة وَثَلاثُوْن

58 2 0
                                    

"ما دامَ هناك شيءٌ كالوقت، فجميعنا معطوبٌ في النّهاية، متحولٌ لشيءٍ آخر.
يحصلُ ذلك دوماً، عاجلاً أو آجلاً."

- هاروكي موراكامي

..

لِكثرة ما ظننتُ مؤخراً بأنّ الخيارَ للتّغييرِ يقبع بيدي، صارَ يخطرُ لي أحياناً بأنّ هذا يقومُ بإيقاظي فقط ليقيّدَني أكثر بواقعي..
أنا التي اعتدتُ التّحليقَ والمخاطراتِ في رأسي، الخيالُ جزءٌ منّي ومن ذكرياتي، كيف سأتعامل مع الخيارات البديلة والتي لا تنفكُّ تقفزُ بين خلايا عقلي تشوّشُ معيشتي وأفكاري..
ماذا لو أردتُ إبدال مكاني ومكانتي! ماذا لو أردتكَ خارج عالمي!

التّعامل مع الحياة بشكلٍ ضحلٍ يختلف عمّا عشتهُ لسنينٍ طِوالٍ كلَّ أيامي..
وكأنّه يقول: أعطني هذا، اترك ذاك، اطردْ فكرة، اقتلْ داخلك، أنتَ فاني..
هكذا التّغيير يتباهى ببساطتِهِ أحياناً أمامي، أعملُ وأعملُ لكنَّ خطواتي كهلة لا تعبرُ مساري بالقوّةِ التي أردتُ لذاتي..

ومع هذا، دوامُ الحالِ مِن المُحال..
تلتفُ عجلة الزّمن وتأخذنا لما هو جديد أو تعودُ فينا لما مضى، وها هي بعض مشاعري تتكرّر -كَعودةٍ في الزّمن- لكنّي أدركتُ كم تغيّرتُ بصدقٍ نحوَها والحقُّ يُروى..
فرقٌ شاسعٌ بينَ أنْ أودّك لتأتي وتسمعني وبينَ أنْ أتوقفَ عن جنوني، وفي الحالتين لا يحصلُ ما أريد وينجيني من غرقي..

أتأمّلُ بانبهارٍ وأتحيّر، لا أدري كيف خلقَنا اللهُ قادرينَ على المزجِ بين المحسوسِ في القلب والملموسِ بالجسَد!
كيف أمشي وكلّ هذا الحبّ والخيال فيني! كيف أعبرُ الطّرقات وبديعُ الطبيعةِ والسّحاب يسحرُني لكنّي لا أشعرُ بنفسي، كأنّي أطفو في الواقع بدون لمسِه وجسدي الممتلئُ فارغٌ لا يعنيهِ ما فيني!
يُبهِرُ عقلي أنّي أرى السّماءَ بوِسعِها فأتنفّس بعمق لكنّي لا أستشعرُ الهواءَ في صدري، فِكري مُغيَّبٌ لكنّي مازلتُ أشعرُ بوجودهِ عميقاً داخلي..
أُبحِرُ في الخيالِ والحزنِ والشّوق لكنّ ظهري مستقيمٌ ورأسي يناظرهُ العابرونَ كحجرٍ لا يشقى الآنَ مِن جُنونهِ ويلتوي..

وبالنّهاية، التّغيير كان قد أخذَ مساحةً من أيامي، أمشي ببطءٍ أكثر الآن لأنّي لا أبالي، أدركُ الفوارقَ بيننا وكَم لا تلمسُكَ كلّ إجاباتي، لذا أسئلتُكَ عنّي وإن لم تُوجد، لم تعدْ تهمني..

أنظرُ مُطولاً في السّماء الزّرقاء وعيوني ترسمُ ثلجاً في الهواء لكنّه لا يجلبُ لي أيَّ صقيعٍ في نفسي، لعلّها تُدركُكَ هذه العيون بثلجِها فما عادَ شيءٌ من الغروبِ يُدفئني..

من الصّعب أن أجدَ لوحةً عنكَ الآن لأنّ الفنّ للتائهينَ أمثالي، الضائعين في أغوار النّفسِ يتلفتون حولهم محتارين بأجسادهم كيف تَشردُ وتُفقَدُ وهي في مكانها تميلُ بهدوءٍ للكونِ بتفاني..

ما عادَ في وِسعي مكانٌ للتّرحيب بتناقضاتكَ في أيامي، كنتَ قمراً وشمساً، لكنّي عرفتُ بأنّك تحملُ زهوراً سامّةً على سطحكَ تلّوثُ ثقتي وخواطري..

3:25 pm

..

4:44 amحيث تعيش القصص. اكتشف الآن