اقتربت أكثر و أكثر حتى صرب جوارها مباشرة ... و قلت بصوت حنون أجش :
" لم أجد داعيا يدفعني لأن ... أخبرك ... بأن أروى هي ابنة عم عمّار.... و أن الثروة التي حصلت عليها كانت ... لعمّار و أبيه "
رغد رفعت نظرها إلي و صرخت :
" لا تذكر اسمه أمامي "
جفلت ... أخذني الذهول ... و ابتلعت لساني ... رغد رمقتني بنظرة عميقة غصت في جوفها فغرقت ... و لاطمتني أمواج الأفكار و الهواجس ... و لم أدر ِ أين كنت و متى كنت ... و على أية حال قد كنت ...
تعود للإمساك برأسها كمن يحاول جاهدا منع الذكريات من الظهور فيه ... تتلاعب بي الأفكار و التخيلات حتّى تثير جنوني... ماذا حصل؟ ماذا لم يحصل؟ أجيبيني يا رغد ...؟؟ و لم تزد حيرتي إلا حيرة ...
بعد صمت قصير طويل في آن معا ...
قلت :
" حسنا يا رغد... بعد دخولي إلى السجن، تعرّفت إلى نديم، والد أروى رحمه الله... و قد ساعدني كثيرا و أحببته محبة خالصة في الله.. و قبل موته أوصاني بعائلته خيرا... و لم يكن يعرف ... أنني ... "
و لم أكمل، استدرت للخلف لأتأكد من أن أروى على مبعدة و لا تسمعنا... ثم اقتربت من رغد أكثر و أضفت ُ هامسا :
" أنني أنا من قتل ... ذلك الوغد "
بدا التفهم على تعبيرات وجه رغد فقلت ُ مترددا و مخفضا صوتي حد الهمس بل حد السكون :
" وهذا... ما لا تعرفه أروى أيضا "
و تنهّدت بمرارة و حيرة و أضفت :
" و ما أخشى عواقبه ... "
شعرتُ بشيء يسيطر على فكري فجأة... تبدلت تعبيرات وجهي إلى الجدية و الحزم... و تطايرت سهام شريرة من عيني... و شعرت بشياطين رأسي تتعارك في داخله... كانت رغد تراقبني بقلق و حيرة... و بالتأكيد سمعتني و أنا أعض على أسناني فيما أضيّق فتحتي عيني و أشد على قبضتي بإصرار و أقول :
" و الآن ... أصبحت ثروة ذلك الحقير ... بين يدي ... "