لطفك يا رب... تحدث أخيرا وقال: "هناك أمر خطير يجب أن تعرفه وتتصرف حياله فورا يا وليد". أفزعتني الجملة, فحملقت به بأوسع عيني... وقلت: "أي أمر؟؟" قال وهو يخفت صوته:
"المصادر التي حصلت منها على المعلومات موثوقة مائة في المائة. وأنا أخاطر بإفشائها لك... وقد أتيت سرا لأبلاغك... يجب أن تعيها جيدا وتتصرف حيالها بمنتهى الحذر... وبمنتهى السرعة". قلت مضطربا: "جففت حلقي يا عم... أخبرني ماذا هناك؟؟" وهنا قرب أبو حسام رأسه مني وقال بصوت حذر: "يتعلق الأمر... بشقيقك". توقف قلبي عن النبض فجأة... وصدري عن التنفس... واجتاحني فزع مهول... رفعت يدي إلى صدري وقلت بفزع: "ما به شقيقي؟؟" أبو حسام ركز أنظاره على وجهي وكأنه يقيس مدى الفزع فيه... ثم سأل: "أهو هنا؟؟" فقلت باضطراب: "لا... لكن مابه شقيقي؟ أرجوك أفصح؟؟ هل أصابه شيء؟؟" هز أبو حسام رأسه بنفي ممزوج بالأسف... ثم قال: "ليس بعد... لكنه على حافة الخطر..." ثم استنشق نفسا قويا من فمه وزفره أسفا ثم قال: "هل تابعت خبر محاولة اغتيال الوزير... الذي نفذته المنظمة المتمردة قبل أيام؟؟" أجبت بنظرة من عيني... تابع بعدها أبو حسام قائلا: "أخوك... متورط مع هذه المنظمة... وشارك في العملية بكل تأكيد". جفلت... تسمرت في وضعي... تصلبت أطرافي وتيبست عضلاتي... حتى كلمة (ماذا؟؟) لم أقو على النطق بها... أنا ربما... لا أسمع جيدا... ربما أنا نائم؟؟... ماذا... ماذا قلت؟؟ حملقت في أبي حسام... غير مصدق... مذهولا لأبعد حد... فرأيت الجد ينبثق بقوة من عينيه... ثم إذا بي أحس بيده تمسك بكتفي... وصوته يطن في أذني: "الخبر أكيد تماما... طرت إليك من فوري لأبلغك... أحد الأعضاء وقع في أيدي السلطات وانتزعت منه اعترافات خطيرة... وهي في طريقها للقبض على العناصر جميعا..." وصمت لحظة... يراقب ردة فعلي وانفعالاتي المذهولة غير المصدقة, ثم أضاف: "سامر أحد العناصر... متى ما وقع في قبضتهم, فسيعدمونه لا محالة". أخيرا استطاع فمي النطق متلعثما هاتفا: "مستحيل!! م... ما... ما الذي... تقوله؟؟" شد أبو حسام الضغط على كتفي وقال: "أنا واثق من معلوماتي تماما..." شهقت ونطقت: "ما الذي تقوله؟؟ سامر أخي... عضو في... آه... ماذا؟؟ ما هذا الهراء؟؟" شد أبو حسام على كتفي بحزم أكبر وقال: "أعرف أنها صدمة... لكن... هذا ليس وقت المفاجأة يا وليد. شقيقك في خطر.. يجب أن تعمل فورا وفي الحال على إخراجه من البلد... الآن يا وليد.. قبل فوات الآوان". زفرت ونظرت من حولي... علي أجد ما يؤكد لي أنني لست في حلم... كنت رافضا تماما القبول بفكرة أن أخي... أخي أنا... آه كلا... مستحيل... قلت رافضا ومشككا: "ربما... ربما". لكن أبا حسام قال بحزم وجدية بالغين: "أنا لم أحضر من الشمال إلى الجنوب وبهذه السرعة وهذا الشكل وهذا الوقت لمجرد ( ربما ). وليد... أرجوك أن تستوعب الحقائق بسرعة. حياة شقيقك في خطر حقيقي... إنه متورط مع المنظمة منذ شهور... بعض العناصر هم زملاؤه في العمل في المدينة الصناعية... والعضو المعتقل وتحت وطأة التعذيب أفشى عن خطتهم التالية ومن سينفذها... سينفذونها هنا في المدينة الساحلية قريبا. السلطات ستنصب كمينا وتبتاغهم وترسلهم جميعا إلى الجحيم... لن ينجو إذا ما وقع في قبضتهم... لا مخرج أبدا". أمسكت برأسي الذي أحسست به يتأرجح على عنقي... وأغمضت عيني لأحول دون رؤية الأشياء بدأت تتراقص من حولي... أبو حسام وهو يراني هكذا قال حازما: "يجب أن تتماسك ياوليد... لا وقت للانهيار... يجب أن تنقذه قبل أن يقبض عليه وحينها... لا أمل في إنقاذه". حركت رأسي تأييدا وأنا لا أزال في مرحلة الصدمة, أجبر نفسي على تخطيها وسباق الزمن... قلت: "ماذا أفعل؟؟ كيف أتصرف؟؟" فقال: "يجب أن نخرج الشاب من البلد بأسرع أسرع ما يمكن... استخدم كل نفوذك وافعل المستحيل لترحيله إلى الخارج. لا أحد يقع في أيدي السلطات ويعود سالما. وخصوصا في قضية بهذه الخطورة... لا تدخر وسيلة مهما كانت". مسحت العرق الذي تصبب على وجهي كشلال مياه مالحة... وأخذت أفتح أزرار قميصي العلوية وكأن ذلك يساعد في إزاحة الكتم عن صدري... ثم قلت: "أنا... لا أعرف أين هو الآن". فنظر إلي أبو حسام بانزعاج فأوضحت: "سافر إلى الشمال الجمعة الماضي, ولم يجب على اتصالاتي". ثم قلت مستنتجا بذعر: "أخشى أنه..." فقاطعني: "لا يزال طليقا... وسيشارك في العملية التالية. لا بد وأنه في الجوار الآن.." في تلك الليلة... انحرفت الكرة الأرضية عن محور دورانها... وتخبطت واصطدمت في جميع الأجرام السماوية... ولم تبق لا نجما ولا قمرا... إلا وصفعته في رأسي... غادر أبو حسام المنزل... مخلفا إياي وسط كومة ضخمة هائلة... من حطام الكواكب... بقيت على ذات المقعد... أتلقى الصفعة تلو الأخرى... فاقدا الحواس الخمس... يحسبني الناظر إلي... جثة متصلبة تنتظر من يواريها... بعد حقبة من الزمن... الله الأعلم بمداها... عادت الروح إلى جسدي واستطعت التحرك... وقفت وأنا مفلوق الهامة... يأمرني الشقي الأيمن بالسير يمينا ويأمرني الأيسر بالسير يسارا... حتى إذا ما سرت... ترنحت وكدت أختتم صدماتي بارتطام بالجدار... صعدت السلم وقادتني قدماي إلى غرفة سامر, في الطابق العلوي. ربما خيل إلي... أنني سأستيقظ من الكابوس وأرى أخي ينام بسلام على سريره... لكنه لم يكن على سريره! أشعلت المصابيح غير أن النور لم يكتشف شيئا مستترا.... ولا شعوريا أخذت أفتش بين أغراضه... مسكين وليد! هل خيل لك دماغك المفلوق... أنك ستجد شقيقك الغائب... مختبئا في أحد الأدراج؟؟ ما وجدته في أحد الأدراج... كان صندوقا... إنه ذات الصندوق الذي رأيته في شقة أخي في المدينة التجارية... والذي تغلبت على فضولي ولم أفتحه...! ولكن لماذا تتحرك يدي لفتحه الآن؟؟ أي من شقي دماغي يأمرها بذلك؟؟ فتحته... أخيرا فتحته ووقع بصري مباشرة على ما فيه! اشرأب عنقي... جحظت عيناي... تصادمت قطرات دمي وهي تتدفق بتهور وعشوائية من قلبي... أتعرفون ماذا رأيت؟؟ لا لن تحزروا...! لقد كان... مسدسا!!!