وقفت جامدا في مكاني ، و أنا أراقب عمّار يترنح ، ثم يهوي ، و تسكن حركاته ... كان دوي الطائرة يزلزل طلبتي أذني ... دققت النظر إليه ... لم يحرّك ساكنا رفعت قدمي بصعوبة و حثثتها على السير نحو عمّار بصعوبة وصلت قربه فرأيت عينيه مفتوحتين ، و الدماء تسيل من أنفه ، و صدره ساكنا عن أية أنفاس ... أدركت ... أنه مات ... و إنني أنا ... من قتله استدرت للخلف و عيناي تفتشان عن رغد ... صغيرتي الحبيبة ... مدللتي الغالية ... مهجة قلبي ... رأيتها تقف بذعر عند سيارتي ، و تنظر إلي و دموعها تنهمر بغزارة ، فيما يستلقي حزامها القماشي على الرمال الناعمة بكل هدوء ...
بتثاقل و بطء ، بانهيار و ضعف شديدين ، سرت باتجاهها ... نفذ كل ما كان في جسدي من طاقة ، فكأنما كنت أعمل على بطارية انتزعت مني و تركتني بلا طاقة و لا حراك ...
في منتصف الطريق ، انهرت ...
خررت على الأرض كما تخر قطعة قماش كانت متدلية كالستار المثبت إلى الحائط و ارتطمت ركبتاي بالرمال ... و هبطت أنظاري برأسي نحو الأرض ... رفعت رأسي بصعوبة و نظرت إلى رغد ، و هي لا تزال واقفة في نفس الموضع و الوضع ... بصعوبة فتحت ذراعي قليلا ، و قلت بصوت مخنوق خرج من رئتي :
" تعالي ... "
رغد نظرت إلي دون أن تتحرك ، فعدت أقول :
" تعالي ... رغد "
الآن ، أقبلت نحوي بسرعة ، و بقوة ارتمت في حضني و كادت تلقيني أرضا ... طوّقتني بذراعيها بقوة ، و حين حاولت تطويقها أنا عجزت إلا عن رمي ذراعي المنهارتين حولها بضعف
بكيت كثيرا ... و كثيرا جدا ... لما ضاع ... و لما انتهى .. و لما هو آت و محتوم ...
بقينا على هذا الوضع بضع دقائق ، لا أقوى على قول أو فعل شيء ... و السكون التام يسيطر على الأجواء ...
كان طريقا بريا موحشا ، و لم تمر بنا أية سيارة حتى الآن ...
استعدت من القوة ما أمكنني من تحريك يدي قليلا ، فجعلت أمسح على رأس طفلتي و أنا أقول بحرقة و مرارة :
" سامحيني يا رغد ... سامحيني ... "
رغد استردت أنفاسها التائهة ، و قالت و وجهها لا يزال مغمورا في صدري :
" دعنا نعود للبيت "
أبعدت رأسها قليلا عني و سمحت لأعيينا باللقاء ... و أي لقاء ؟؟ لقاء مبلل بسيول عارمة من الدموع الدامية لم يجد لساني ما يستطيع النطق به ... حاولت النهوض أخيرا ، و ذراعاي تجاهدان من أجل حمل الصغيرة ، ففشلت