١٢- خمسة

43 11 1
                                    

لا تلهيكم القراءة عن ذكر الله❤️

*********
صوت الهدوء عم المكان بعد أن طرح العم مو سؤاله على راشد "أخبرني كل ما تعرفه عن تلك الممرضة" نظر راشد للعم مو ثم أزاح عينيه عنه بارتباك وقال بصوت خافتٍ:
-حسنًا، لا أعتقد أنني سأقول ما تريد سماعه، أنا... لا أعرف شيئًا عنها.
ن

ظر له العم مو وقد استطاع سماع كل كلمة يقولها راشد، لكنه لم يرد أن يصدقها، فقال لراشد ليتأكد مما يسمع:
-ماذا؟ أنا لم أسمعك، ما الذي قلته؟
نظر راشد له وقد علم في هذه الفترة القصيرة كيف أن دم هذا العجوز يغلي ويتقلب، فقال له وهو يبلع ريقه:
-كما ترى، إنّ هذا هو ثالث يومٍ لي وأنا مستيقظ هنا... لهذا أنا لا أعرف الكثير حقًّا.
بدأت عيني العم مو تتوسع وهو يقول بشكل فظ:
-وسماعك لهم؟!
ردّ راشد بكل تلقائية بأنه لم يتقصّد سماعهم، وأن ما حدث هو توفيق من الله، فضرب العم مو يده على وجهه وهو يصيح لاعنًا:
-وكل تلك النصائح والخُطب التي ألقيتها عليك... أتعني أنني قدمتها لك دون داعي؟ حقًّا إنك عديم الجدوى مثل قدميك!
كان آخر ما قاله العم مو قاسيًا حقًّا، فلسان ذلك العجوز فظ جدًّا، ولكنه محق، فراشد لم يحاول فعل شيء حتى الآن كان قد كُسر أيضًا مثل قدميه، وعلى ما يبدو أن الكسر الذي بقدميه بدأ يلتئم وكذلك الكسر الذي بداخله بدأ يلتئم...
********

في ممر طويل، كانت خمسة تجر عربتها، تلك العربة التي تحمل ثلاثة أواني فارغة، قد تمّ تناول ما فوقها، مرت خمسة عبر باب حديدي سهل الدفع فدخلت من خلاله مطبخًا كبيرًا به شخصان، فتاة شقراء سمينة ورجل آسيوي نحيف كان كلاهما يرتديان ثياب طبخ بنفسجية وكيس يغطي شعرهما، وبالطبع مع ارتداء كمّامتين مرسوم عليها وردة ذابلة، أمسكت الفتاة السمينة خمسة، وسحبتها بعجلة، وقالت لها بسرعة:
-هيا يا خمسة أنتي تعرفين أننا في عجلة بسبب نقص أعداد الممرضين، هيا، نحتاجك لغسل الأطباق.
توجهت خمسة بأقدام ثقيلة، ولفت أكمامها بتكاسل وهي تسأل الفتاة السمينة:
-أين هي ثلاثة؟ أليس هذا عملها؟
ردّ الفتى وهو يقطع الطعام بحرص:
-لقد ذهبت لتوصل الطعام.
أكملت الشقراء السمينة:
-كما تعلمين، لقد كان هناك نقص في عدد الموظّفين فلقد خسرنا منذ مدة ثلاثة ممرضين، أحدهم ترقى ليصبح طبيب، أم الآخر فقد عوقب فنقله الأطباء لداخل السرداب، وسمعت أن الشخص الثالث هو فتاة، وأن الفتى الذي عوقب في السرداب هو فتًا تحبه، تخيلي! لم تتحمل ما حدث لمحبوبها، فرمت نفسها! آه كم هذا درامي...
وأثناء تعليقها على الحدث الدرامي، بدأ الفتى يدفع بذراعه ذراع الفتاة وهو يطالب منها أن تسكت، ويشير بيده لخمسة التي كانت قد تجمدت، وهي تحمل أحد الأطباق، وفجأة نزلت دمعة من عينها على الطبق.

********

وقفت خمسة بجانب عربتها وهي تنقل الأطباق من الطاولة إلى العربة، وعلى طرف الطاولة لمحت خمسة علبة الملح، فنظرت لما حولها نظرة خاطفة لترى إن كان أحد يراقبها، فأمسكت خمسة بعلبة الملح وسكبت نصفه على أحد الأطباق، وما إن أنهت جريمتها شعرت بالرضى وذهبت تجر العربة للخارج، وأمام باب ظهر فتًا ببشرة سمراء بعينين سوداوتين واسعتين وقد وضع على فمه كمامة الزهرة الذابلة، بدأ الفتى ينظر لها من طرف عينيه، فحاولت المرور بجانبه وكأنها لا تراه، ولكنه أوقف العربة بقدمه وقال لها باستهزاء:
-إذًا لقد فقدتي نقاطك من أجل التستر على تافه، يبدو أنني من سيحصل على الترقية التالية.
بادلته خمسة النظرات ثم التقطت أحد الأطباق الساخنة وكادت تسكب القليل منه على قدمه، ولكنه أبعد قدمه في الوقت المناسب، وقال لها بانزعاج وقد أمسك بالعربة بيده هذه المرة:
-هل مس الجنون عقلك، أتعلمين أنه لو رأت واحد ما تفعلينه هنا فسوف تشي بك للأطباء! وسوف يرمونك أنتي الأخرى بالسرداب!
نظرت خمسة له بعدم مبالاة وقالت:
- كان ذلك خطئي، والآن إبتعد.
فأبعد يده بهدوء وأثناء ما هي تبتعد قال لها:
-لقد سمعت أن صديقتك رمت نفسها منتحرة من أجل شخص، أتمنى أن لا تتهوري بسبب فقدانك لها! وأتمنى أن لا تفكري باللحاق بها...
همست خمسة لنفسها وهي تحرك العربة مبتعدتًا عنه:
-ما الذي يعرفه ذلك المغرور، هي لم تكن صديقتي وحسب... هي كانت بمثابة أختٍ لي!
وتوقفت فجأة وبدأت دمعة تتسرب من عينها ومعها تسربت ذكرياتها من الليلة السابقة بعد أن تم إعلان عقوبة سبعة، كانت ستة تنظر للفراغ بعد أن فرغت من البكاء وقالت:
- ألا تعتقدين أن حياتنا فارغة هنا...

*********
《راشد》
بعد أن قال العم مو كلامه ذاك، أصبح الصمت هو جليسنا الوحيد، وأم الوقت فقد بدأ يسير ببطء رهيب، كان الشيء الوحيد الذي يقطع استرسال الوقت والاستغراق فيه هو الصلاة، تلك الصلاة التي تربيك فتقطع عنك استغراقك واسترسالك في تلك الدنيا الفانية، فتصلح شروخ قلبك التي دمرتها الفتن...

دخلت خمسة الغرفة وهي تجر عربتها فأوقفتها هذه المرة بمسافة بعيدة وأعطتني صحني دون أن ترميه فوق رأسي وكذلك أخذ العم مو طعامه، وذهبت لتُطعم تلك المرأة العجوز.
لم ترمه علي! يبدو أنها أخيرًا عالجت جنونها الغير مبرر تجاهي، رشفت من الحساء رشفة، فما كان مني إلا أن أفرغت كل ما بفمي على الملاءة، صاح العم مو متسائلًا:
-ما الذي حدث معك؟
مددت لساني الجاف نتيجة كثرة الملح، وقلت وأنا أراقب الوعاء:
- تلك المجنونة، لقد سكبت الملح سكبًا.
نظر العم مو لي بحيرة، واقترب وتذوق من طعامي فانفجر يكح وقال وهو يضحك علي:
-ما الذي فعلته لها حتى تكرهك هكذا؟ ألم تقل لي أنك لا تعرف عنها شيئًا.
وبدأ يغمز لي بمكر وهو يكمل ضحكته، قلت له بغيظ أنني حقًّ لا أعرف ما الذي فعلته لها، وأنها جنت فجأة، ربما هي فقط تفرغ عقدها علي.
ثم طلبت منه أن يجلب لي الماء ولكنه أمسك بكوب الماء وشربه وجلس على سريره يكمل حساءه، كم أردت حقًّا أن أرمي الوعاء عليه، وبعدها نظر لي العم مو، وقال:
-أوه لقد نسيت ماءك.
نسي؟! ذلك المحتال، أنا متأكد أنه يستمتع -مثلها- بإزعاجي، لماذا الجميع يستقصدني هنا!
أعاد تعبئة الماء من الإبريق الذي بجانب سريره ومد يده لي لكي أشربه ولكنه كان يبعد يده كل مرة، وهو يبتسم بمكر، فحاولت إمساك ذراعه حتى أوقفه، وبالخطأ دفعت الطاولة التي بها الحساء المالح فسقط كله مسكوبا على طرف السرير أغلبه سُكب على تلك الملاءة الخضراء، نظرت للعم مو وأنا ألومه على كل ما حصل، أمَّا هو فقد أعطاني الكوب بلطف، وأخذ الوعاء ووضعه بمكانه بهدوء، وجلس بمكانه بأدب وهو يقول:
-يا ويلي، ياويلي...الأطباء مهووسون بالنظافة، أقسم إنك بورطة يا راشد.
رددت عليه بانزعاج:
-أولًا هذا ليس سببي وحدي، وثانيًا أنت السبب الأول في ذلك، و... ثالثًا...مالذي سيفعلونه بي؟
نظر لي بمكر وهو يقول:
-بدأت تتعلم مني، يالك من فتًا... حسنًا لا شيء حقيقي سيصرخون بوجهك فقط، و...حسنًا هم مرعبون إذا غضبوا.

نظرت له وأنا أتذكر شجاري السابق مع الطبيب من أجل الساعة، تنهدت منزعجًا، ولم أنتبه إلى قدوم خمسة لجمع الأطباق، فلمّا رأت وعائي فارغًا بدا عليها الذهول، ويبدوا أنها لم تنتبه للجزء الذي سُكب الحساء فيه، وخرجت خمسة وهي لا تعلم شيئًا عن الحساء المسكوب!!

*********
اذا أعجبك الفصل لا تنسى الدعم بتعليق ونجمة🫶

*********

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

وادي الفضولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن