٧- حُطام...

47 12 12
                                    

لمعات تخترق الخشب المتآكل في غرفته، لمعات عديدة تخرج من السقف وكذلك الجدران... لم تكن تلك اللمعات سوى انعكاس الضوء من أعين متلصصة!
كل أهل القرية يراقبونه تركوا كل أعمالهم ليراقبوه، هل هو فحسب مجرد الفضول؟
لم يصدق راشد ذلك الاستنتاج المجنون الذي قد وصل له، فهو ليس محور الكون حتى يراقبوه فقط، فنظر بصمت لباب غرفته، وتذكر أقرب نافذة تطل على الخارج، كانت تلك النافذة في نهاية الممر الموجود في الطابق الثاني تلك النافذة المغطاة بالستائر القديمة، قرب المخزن الذي ذهب به سابقًا... ارتدى احذيته ببطء ثم وقف وهو يحاول التمسك بهدوءه، انحنى ممسكًا باللحاف الذي فرشه، وأثناء ذهابه للسرير التفت فجأة للباب وفتحه، كانوا يقفون هناك... ذلك الزوجان يتلصصان، سمير وإيما!

نظروا له مصدومين، فدفعهم بقسوة وجرى نازلًا للنافذة، وصل إليها فنزع الستارة التي تغطيها بعنف، فرآى من خلال النافذة الصغيرة المحطم زجاجها، سلالم رفعت لتصل للعلية للمكان الذي يجب أن يكون سقف غرفته! فأخرج رأسه من خلا بقايا الزجاج بحذر ورفعه ليرى ما هي حقيقة تلك الأعين... فكان ما رآه كومة متكدسة من البشر يقفون في سقف الغرفة، وآخرون يتمسكون بالسلالم ليرو من الشقوق، بل يتسابقون لذلك ويسحبون بعضهم البعض من أجل ماذا؟ من أجل مراقبته؟! رجال ونساء كبار وصغار، الجميع أصابه الجنون!

ما إن أخرج رأسه ليراهم حتى بادلوه النظر كلهم، وبدأت ابتساماتهم بالخروج! وبدؤا يحاولون الاقتراب من النافذة، ابتعد راشد خطوة من النافذة وهو يرى الجنون بعينه، نزلت إحداهن من السلم الواقف أمام النافذة وكادت تدخل من النافذة ولكنها لم تستطع لأن شخصًا آخر دفعها من السلم لكي يستولي على مكانها، شدّ راشد يده الممسكة باللحاف وتراجع للخلف أكثر وهو يراقب أشخاصًا كثرًا يتنافسون للدخول عبر النافذة، اصطدم بشيء خلفه، كان سمير يقف خلفه وإيما بجانبه يراقبانه وهما يبتسمان، قال راشد بصوت أبح:
-هه...هذا جنون!!
نظر سمير له وقد زالت ابتسامته لوهلة:
- هذا غريب لما لم تصبح مثلنا حتى الآن؟
ردّ راشد بصوت مرتفع مرتعب:
-ماذا؟ مثلكم؟
أكمل سمير حديثه وكأنه لا يستمع سوى لنفسه، وقد بدأت ابتسامة ضخمة من الظهور بشكل تدريجي على وجهه:
-هذا حقًّا يجعلني فضولي جدًّا~
نظر راشد الى النافذة ولألئك الذين في صراع لمن سيدخل النافذة، التفت بوجهه الى الخزنة المظلمة كانت الطفلة تخرج من هناك وهي ممسكة بشدة بمجموعة خردة، ممسكة بها حدّ النزيف، اسقطت في لحظة كل هذا وذهبت تتمسك به وهي ترفع يدها طلبًا للساعة.

وبدأ من على النافذة بالدخول وقد دخلت عليهم بعض شظايا الزجاج، لم يلتف أحد لنزيفه، لأن هناك مشاعر أقوى من الألم....الفضول!

رمى راشد اللحاف عليهم ليعرقل تقدمهم، ، ودفع الطفلة للخلف بقليل من القوة لتتركه، وهرب الى الدرج نزولًا للطابق الأول ليهرب من هذا الكبوس المسمى منزلًا، وصل لباب المنزل فتحه، فرآى أشخاصًا كثر أمام الباب يحاولون الدخول بقوة، فبدأ يدفع الباب بقوة وأقفله، وذهب دخولًا لغرفة الجلوس، وأثناء دخوله مشى بأحذيته على شظايا زجاج، الذي كان سابقًّا هو المزهرية الموضوعة على الطاولة وكان على بعض من شظاياها دماء! لم يبالي بها بل ذهب مسرعًا للنافذة الزجاجية وقفز كاسرًا لها، تدحرج على الأرض ثم وقف يركض وهو يلهث بقوة والجموع من خلفه تلحق به...
****************
《راشد》

وادي الفضولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن