٢٣- هروب

14 2 2
                                    

لا تلهيكم القراءة عن ذكر الله❤️

********

- خمسة أنا أعرف أنكِ هنا!
قالها اثنا عشر بأسلوبه الهادئ المعتاد، هي تعرف صوته ذاك جيداًّ، لكن السؤال هو كيف علم أنها هنا؟! لاأحد يعلم أنها هنا حتى "واحد" التي غادرت الغرفة سابقا لم تعلم بوجود خمسة فيها! كيف علم هو عنها؟
اثنا عشر كان دائما غامض التصرفات لم يفهم أحد منهم سبب تصرفاته، فهو لايتبع المدير مثلهم تبعية عمياء، ربما السبب يعود كونه من أقدم الممرضين هنا بل هو أقدمهم، أقدم منها ومن احدى عشر وممن قد خدموا في هذا المشفى، بل قيل أنه كان هنا قبل المدير نفسه حتى!

شعور بالريبة اجتاحها، وشعور بالخطر هجم عليها، ذلك الشعور لم يتوقف عن التهامها، فخارت قدماها عن الحركة، هل كان هو السبب أم أن تراكم الأحداث كان قاسياً عليها، بدأت تزحف وهي ممسكة بالكتاب الذي وجدته، وتوجهت لكومة صناديق ضخمة بجانبها، واختبأت داخل أحدها، كيف علم أنها هنا؟

لم يتحرك اثنا عشر من مكانه أمام الباب بل اكتفى بالنظر حول المكان وبعد أن انتهى من معاينة المكان، قال بجديته المعتادة:
- هيا يا خمسة اخرجي الآن!
لم يرى اثنا عشر أي استجابة فسار قليلا متوجها لكرسي كان أمام الباب وجلس واضعاً عكازه جانباً ثم قال بهدوء:
- لم أعتقد أبدا أنك أنت بالذات ستخالفين الأوامر وتأتين لهنا، لطالما كنت عنيدة لكنك أيضا كنت دائما مطيعة؛ وهذا بالطبع لكونك شخصاً جباناً لا أكثر، يتبع الأوامر بلا أدنى نقاش أو اعتراض...
كلماته تلك كانت مزعجة لكنها كانت ثقيلة الوطء على خمسة فكلامه ذاك كان حقيقة تعرفها خمسة قبل الجميع، لطالما كانت تختبئ من ضعفها حتى عشعش الضعف فيها فامتدت جذوره عميقا داخلها.

ثم قال اثنا عشر بلهجة آمرة:
- أخرجي وسلميني الكتاب الذي وجدته!
نظرت خمسة للكتاب الذي معها وقد شخص بصرها، كيف علم بأنها وجدته؟ مالذي لا يعلمه عنها؟
خوف تسلل منه أيدٍ مسيطرة بدأت تلفها فتدغد ذهنها بأفكار الاستسلام: عليك الإستسلام أمامه لن تستطيعي الافلات منه! هيا لقد كنت دائما جبانة فلما التكابر الآن؟
نظرت خمسة للكتاب الذي بيدها، ستة أرادت منها إيجاده، لماذا؟ شيء ما جعلها تتشجع وتفتحه، لم تستطع قراءة أي كلمة منه فالظلام كان يلف المخزن ويختبئ داخل الصندوق الذي تختبئ فيه، لكن فتحها له فقط جعل جزء من ذاكرتها يضيء، يد كبيرة تمسح على رأسها الصغير وأمامها كتاب تفتحه يديها الصغيرتين، بهدوء وصوت امرأة حان ينسال إلى أذنيها يقول:  ﴿اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَومٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ مَن ذَا الَّذي يَشفَعُ عِندَهُ إِلّا بِإِذنِهِ يَعلَمُ ما بَينَ أَيديهِم وَما خَلفَهُم وَلا يُحيطونَ بِشَيءٍ مِن عِلمِهِ إِلّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّماواتِ وَالأَرضَ وَلا يَئودُهُ حِفظُهُما وَهُوَ العَلِيُّ العَظيمُ﴾
تلك ذكرى لطفولتها المنسية، أو ربما هي ذكرى مسروقة لطفولتها! ذكرى واحدة ملأت قلبها أنساً وطاقة، وما أن بدأ لسانها يلهج بذكر الآية حتى انزاحت عنها قيود مخفية قيود لطالما قيدتها للأرض فمنعت روحها من الارتقاء وعاشت طيلة الوقت بين ركام الطين.

وادي الفضولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن