١٣- ذوبان

48 12 39
                                    

لا تلهيكم القراءة عن ذكر الله❤️

******
في الغرفة المعتمة، استيقظ راشد مُرتعبًا من كابوس رآه، لكن... لقد هرب الكابوس مرة أخرى من ذاكرته، لقد نسيه تمامًّا! الغرفة قاتمة الظلمة، إنه منتصف الليل، نشر راشد نظره على طول تلك الغرفة التي ابتلعها الظلام والهدوء... ذلك الهدوء الذي يشقه صوت شخير العم مو الصاخب، يبدو أنه يغط في نومٍ مريح، إذًا هو وحده مستيقظ هنا، وهو وحده يخاف معاودة النوم، كيف له أن يخاف مما قد نسيه؟ كيف له أن يخاف مما لا يتذكره؟ وكيف يخاف من مجرد كابوس؟ نظر راشد إلى السقف وبدأ يقرأ بعض المعوذات ليهدئ قلبه المرتعش، الذي يحس باقتراب الخطر الحقيقي!

وفي الصباح: استيقظ العم مو من نومه، جلس ومدد يديه وهو يقول:
-أحتاج الذهاب للمرحاض.
ذهب العم مو الى باب الخروج المغلق، وبدأ يضربه حتى فتح أحد الممرضين الباب له، وقبل أن يخرج ذهب الممرض وقيد يدي العم مو ثم أوصلها ليده، ثم غادرا.
*****

《راشد》
عاد العم مو بعد أن بدأت خمسة توزيع الطعام، وأثناء إعطاءها الطبق لي بقيت أراقبه والشك يملؤني حوله، البارحة كان مجرد ملح، فمالذي يضمن لي أنها لن تضع لي اليوم سمًا فيه!

سألني العم مو وهو يقضم الطعام:
-لماذا لا تأكل؟ لن تجد في الوادي طعام جاهز كهذا أبدًا، هاها، عليك عدم خسارته.
ثم بدأ يضحك ضحكته المستهترة المعتادة، رددت عليه وأنا أهمس على أمل أن لا تسمع خمسة حديثي له وأخبرته عن شكوكي.

نظر لي العم مو ثم نهض من مكانه وإقترب وتناول جزءًا من طبقي ثم قال:
-أم الملح في طبقك ممتاز اليوم.
نظرت له مرتعبًا وأنا أقول:
-كيف تأكله هكذا؟!
رد العم مو بثقته المعتادة:
-ماذا؟ لقد كان لدي فضول حول إن كانت حقًّا ستسمم طعامك.
نظرت له بغضب وكأني أؤنب طفل عديم المسؤولية:
-فضول؟ تخاطر بحياتك لأجل فضول، أأنت مجنون؟
كيف تكون عديم المسؤولية هكذا تجاه حياتك؟
رفع العم مو كتفيه باهمال ثم قال وهو يعود ليكمل طبقه:
-ناه، لم يكن به سم، حسنًا، وما الذي سيحدث إذا كان به سم؟ سأموت فقط، ثم تنتهي الحكاية، هاهاها.

نظرت له بإنزعاج وببعض الشفقة فكيف للمرء أن يكون أرخص من طبق طعام حتى يضحي من أجله والأسوأ كيف يضحي لما لا يحتاجه، لم أدع ذلك في نفسي بل قلت محدثًا له:
-كيف تهمل في حياتك التي أعطيت لك هكذا؟ لقد ميزك الله بالعقل، أنت لست بهيمة تتبع ما يثير فضولك، ولست طفل عديم المسؤولية.

رمقني العم مو بنظرة كره، وقال: لقد عدنا، أنا لا أؤمن بمعتقداتك هذه، فهمت؟!
نظرت له وأنا أبتسم بمكر:
-إذًا بماذا تؤمن؟ بأن تقتل نفسك بأقرب فرصة؟ أم بأن تلحق رغباتك كحيوان بلا عقل؟!
كشر العم مو بوجهه وهو يهمس قائلًا: كم أكرهك وأكرهه، كيف تشبهه هكذا...
وأثناء حديثه قاطعته خمسة حيث ضربت على طاولتها لأخذ الأطباق، نظرت للعم مو ثم إلى طبقي الممتلئ، وتناولته ثم سلمته فارغًا لها.
************

وادي الفضولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن