رأس التبّعي

11 4 0
                                    


كانت وفودٌ من بني عمومتنا، وأصهارنا.. إضافةً إلى أطيافٍ من قبائل العرب تحيط برسول التبابعة بينما يحمل رسالته بين راحتيه دون أن تبدو على قسماته أي علامةٍ تذكر.

وصل الرسول إلى دار والدي صباحًا يحمل كتابًا موسومًا بـ(رأس التبعي) قادمًا من اليمن.

لقد استأمن والدي التبع اليماني على روح ابنه البكر "وائل التغلبي"، كما استأمنه على روحه، وعرضه شقيقتيّ "الجميلتين".. فهل خان التبابعة العهد؟ وهل بلغ بهم الفجر بنسب أخينا إلى قبيلتهم؟ وأين هما شقيقتاي حاليًا؟ هل استباح التبابعة دم الشقيقتين أيضًا انتقامًا من التغالبة؟

لم نفهم شيئًا مما يدور حولنا.. كنا في قصر الملك بالشام.. حاولنا تقرير الرسول للإفضاء بما في جعبته، ولكنه أقسم لنا بـ"الشعرى"، وبـ"المؤتمن" على أنه عبدٌ مرسول، ولا يعرف شيئًا عن كنه رسالته.

جمع أبي حوله كافة زعماء القبائل المناوئة للتبابعة؛ لمحاولة التقصي عن الحقائق، فبعثنا خلف الرسول في زنزانته التي سجن بها مرةً أخرى؛ لاستجوابه، فأحضره الحُجاب إلى مجلس قصر والدي، فسأله "قحافة" أمير الصمان:

ـ لمن كانت هذه الرأس التي أُرسلتَ بها؟ وهل قامت ثمة حروب في اليمن؟

- أقسمُ بأنني مولى لـ"حجر التبعي"، وقلما أغادر قصر مولاي. صاح الرسول متابعًا: ولكنني بسبب القطعة الذهبية التي سلبتموني إياها؛ فإنني قد وافقتُ على قطع الطريق إلى الشام من اليمن على هذه الراحلة الضامر ضرعها.. مغامرًا بروحي، ومجابهًا معها العطش، والعجاج، والهجير.

قام والدي من مكانه صائحًا:

- من الذي سلب ضيفنا ذهبيته؟ أعيدوا للعبد ماله، وأحسنوا مطعمه، ومأواه حتى لا تقول العرب إن تغلب تنهب الضيف، ولا تكرم وفادته.

غادرَنا الرسول إلى دياره، والتم عقد العرب يوميًا بعد ذلك حول والدي فيما ظل ما نظنه رأس "وائل" قابعًا داخل جرابه تحت الشمس، فقد أقسم والدي على ألا يواري هذه الرأس قبل أن يدفن معها تحت التراب ألف قتيلٍ من التبابعة بسيوف أبنائنا، وموالينا.

جمعتِ العرب عدتها، وعتادها بينما استجمعتُ أنا هواجسي، ووساوسي؛ فكل ما خشيتُ تحققه منذ مولدي يتبدى لي اليوم جليًا أمام ناظريّ؛ فلم تحرمني "التغلبية" من رؤية (الجليلتين) حتى ذلك اليوم؛ سوى خشيةً عليهما من اندلاع الحرب، وأهوالها.. ولكن ها قد أسقط في يدي، وهاهي الحرب تقرع أجراسها يا "آمنة".


مذكرات الزير سالمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن