قالت انها لن تعود..
لم اصدقها حينها،خلت انها تمزح...لكنها فاجئتني.
كي أكون صادقة فقد خفت أن أفكر حتى في هذا الاحتمال لذا كنت اغمض عيني آملة ان ينتهي كل شيء على خير..لقد كانت فترة قصيرة منذ أن تعرفت على رفيقة العمر او هذا ما تمنيته ،لم تدم صداقتنا سوى سنة و بضع اشهر لم تكمل السنتين حتى..
لقد حذرتني لكني كنت اتخذ تلك العبارات مزحة،حتى مساء امس..اتصل بي والدي كي اعود حالا ،لم يفعل ذلك قط و أنا لم اتأخر قط لكني كنت انتظرها في المكتبة،ليس من عادتها تفويت المواعيد ؛هذا ما فكرت به و أنا راكضة للمنزل ،لم يعجبني صوت والدي انذاك.حتى أرى ضابطا.
توقفت عن الركض حينها ،تقدمت والدتي لتخضنني باكية ،على وجه ابي ملامح العجز و أنا أريد تغييرها لكني لا اراه.
لحضتها لم افكر في اي احتمال ،لقد كنت خائفة.
توجه إلي والدي مع الضابط و هو يحاول التماسك الا ان قال تلك الكلمات التي جعلتني اسقط ارضا وسط بكاء امي الذي تعالى و حضن أبي الذي توجه إلي يحاول امساكي كي لا أقع مغشية على الارض.
"لقد انتحرت..السبب غير واضح.." هذا ما كان يقوله ذلك الرجل بزي الشرطة الرسمي.
"لقد جئنا لعلمنا انك كنت صديقتها المقربة و كانت في طريقها اليك،اليس كذلك؟" اردف.
حركت رأسي ايجابا و أنا هائمة في افكاري.
"هل قال انتحرت للتو؟ لا هي لم تكن لتفعل ذلك،لقد احبت هذا العالم ،ربما هو لم يمنحها ما تمنت دائما لكنها قالت ان العالم اعطاها اكبر امنية لها؛انا! لما إذا تركت امنيتها وحيدة ؟!" كل هذا يجول في بالي حتى قاطعني صوت الشرطي قائلا
"أنت لا تعرفين شيئا اذا؟"
نعم لم أكن أعرف و لم ارد ان اعرف،الان كل ما اراه هو وجهها حين قالتها..
"حسب علمنا لم تكن لها أي مشاكل مع أي احد"
"أكيد لم تفعل ،هي اطيب مخلوق على وجه الارض..لم تفكر في اذية احد قبلا" هذه كانت أول كلماتي و آخرها قبل ان يرحل ذلك الشرطي بعد أن قام بتعزيتنا و لم نزد له من معلومات عنها.
حاول والداي التحدث معي لكني لم أكن هنا،فجاة لم اعلم لما لكني نهضت و خرجت من المنزل ،لم يكن الليل قد حل بعد،واصلت الركض تاركة كل شيء خلفي.كل ما فكرت به كان ان اجدها ،ما ان وصلت الى احد الجسور التي اعتدنا السير بقربها عند توجهنا للمدرسة ،استذكرت لحظتها صورتها و صوتها حين كانت تلقي النكات و تخفف عني إذا رسبت او تشاجرت مع والداي...لم يكن لدي اصلا احد آخر غيرهما و هي النور الذي دخل لحياتي فجعلها حفلة و كأني حصلت على عالمي الخاص و هي من تنيره.
________________-________________انها سنتي الدراسية الثانية في الثانوية،اسير وحدي في الرواق كعادتي،لماذا؟ ببساطة لاني كنت احب العزلة ليس لاني ترعرعت وحدي بلا اشقاء بل لاني لم أكن انسجم جيدا مع من حولي من الناس و حتى الحيوانات لم تكن مؤنستي،لكني لم ارد ان اجعلهم يرغمون على تحملي ،لم أكن بدوري اتحملهم لكن اعيد المشكلة ليست فيهم بل في أنا.
لطالما كنت احب العزلة لدرجة اني اصبحت شيئا فشيئا مخفية عنهم،عما حولي و كأني في عالم غير عالمهم إلا أن جاء ذلك اليوم و لسبب اجهله تأخرت لأول مرة على المدرسة ،لقد كنت اركض كالثور الهائج و الطعام لا يزال في فمي حتى اوقفني مشهد ،لا اعلم لما لكن تلك الفتاة حالها كحالي ،رايتها تحاول جمع ما اسقطته معتذرة لكني اكملت السير بعدها..لا اعلم ما جرى لي لكني تجاهلته.
و اخيرا وصلت! و للمفاجأة الفتاة التي رأيتها صباحا وصلت قبلي.كيف؟ ماذا؟ متى؟!
لقد كانت طالبة في السنة الاولى ،لم الحظها قبلا لاني كنت انسى الوجوه،لم تهمني الوجوه يوما فلطالما كان اصحابها لا يبقون الا لحظات قبل ان يملوا و يغادروا.
لم أر تلك الفتاة بعدها حتى يوم المسابقة الرياضية.
كانت مدرستنا تنافس مدرسة اخرى في الجهة الشرقية على ما اظن،لم يهمني اسمها حقا ،ليس و كأن ذلك سيحدث فرقا.
ساعات قليلة حتى انطلقت الصافرة معلنة عن بداية السباق،انقطع شرودي حين التقت عيني بخاصتها،لقد كانت تنظر نحوي لتستعد بعدها فتأخذ العلم و تركض بسرعة خارقة اذهلتني؛هذا يفسر سبب وصولها قبلي ذلك اليوم.
بعد نهاية السباق توجهت إلي و همست.
"حظا موفقا اختاه"
"هل سمتني اختاه توا؟!" و لم تمنت لي الحظ،كيف علمت ان دوري قد حان ،توقفت عن التفكير الان.علي ان اقوم بما أبرع فيه ،ليس للفوز او للفت الانتباه بل لاني احب فعلها...حين يتعلق الامر بالغميضة أكون الفائزة دوما ؛لما؟ ليس لاني اعتدت لعبها مع الاصدقاء ان كانوا اصلا موجودين بل لأني مخفية عن اعينهم ،قد ينسون حتى اني العب معهم فأصل و آخذ العلم. وكما ظننت فلا احد لاحظني،الا هي ..
هي من خافت حين وصلت للعلم لكنها ادركت خطأها بعد أن رآني المنافس الاخر و لان لديه قوة بدنية لم امتلكها يوما انتهت المنافسة بفوز فريقهم.
في غرفة الملابس حيث لم أكن حتى عابئة بما حدث سابقا فاجأني وجودها قرب المخرج بملامح حزينة.
"آسفة لم اقصد" قالتها و بدت تعني كل كلمة.
"لا تشغلي بالك ،لم يكن الأمر مهما" قلتها و أنا احاول المغادرة حتى سمعتها مجددا تقول.
"أعلم اني خرقاء و انت ادركت ذلك عندما رأيتني ذلك اليوم"
سحقا هل علمت أني توقفت لرؤية ما خربته تلك المرة،لكن بالتفكير بالأمر ليست بالقضية الكبيرة.
"سأحاول بكل جهدي ان لا اعيقك اختي!" اردفت بكل ثقة.
لا انكر استغرابي فلما قد تهتم للامر اساسا بينما اكبر عائق لي هو نفسي و مجددا اختي! لا اذكر صلة قرابة تجمعنا.
غادرت بعد أن شعرت أن الحديث قد انتهى و اقسم اني شعرت بنظراتها النادمة تتبعني.
لا افهم لما اعطت الموضوع اكثر مما يستحق،لم تكن حتى لتعتبر غلطة!
كان الغد عاديا و بعده كذلك حتى اليوم الثالث بعد المسابقة ،حين التقيتها في المكتبة ،لقد كانت ترتدي مشبك شعر على شكل فراشة.كنت أحب الفراشات ،اعتدت صيدها مع والدي في صغري لكن ذلك لم يعد ممكنا بعد انتقالنا للمدينة ،ابتعد عن كل ما اعرفه،لم يختلف الامر عن البشر لاني في حياتي السابقة كنت وحيدا أيضا الا اني اشتاق حقا لتلك الفراشات...
قطع ذلك الصمت الطويل صوت خطواتها و هي تقترب مني.
"مرحبا فيري"
"فيري؟"رددت بعدم فهم،كان صوتي بالكاد مسموعا و أنا متفاجئة من الاسم الغريب.
"عفوا ضننتك تحدثينني" ارتجلت لالمح ابتسامة خفيفة و هي تجيبني.
"نعم بالفعل احدثك،ما الذي يجعلك تشكين بذلك ام الديك القدرة على رؤية شبح ما هنا؟"
بالفعل كنت الوحيدة الموجودة بجانبها لكن اسمي ليس 'فيري'.
"اعلم ما تفكرين فيه،لم أعتقد أن الاسم سيزعجك"
"لما ناديتني بهذا الاسم؟"سألت رادة على جوابها.
"لديك اسمان،فرح و فيريا لذا فكرت باسم وسط و مشابه اناديكي به" اجابت
"عفوا لكني بالكاد اعرفك ،او اتعلمين انس الامر ،ساغادر" لحظتها و أنا أهم بالمغادرة احسست بشعور غريب و لأول مرة ..لا اعرف ما يجري لكني ساتجاهله كعادتي.
....
تواصلت الصدف و التقينا في اكثر من مناسبة خاصة و ان والدي صار زبونا وفيا لبقالة والدها،حتى صديقة امي الوحيدة اتضح انها والدتها!
و كانه مقدر لي ان اراه دائما حولي،كم كنت أكره ذلك..ليس بصفة خاصة لكني لا أحب الاختلاط ،انا غريبة لكني راضية بحياتي هكذا..
"مرحبا!" كعادتها ابتدأت الحديث.
"اوه أنت مجددا" تحدثت بتململ.
"اتسمحين؟"
"ساغادر"
"مهلا أريد الحديث معك!"
"اما أنا فلا"
"الا ترين انها فرصة مناسبة للتعارف؟ كنت كل مرة تتجنبينني"
"اليس هذا واضحا! الان ان كنت ذكية حقا فاتركيني وشأني!" نبرتي صوتي أخذت قالارتفاع شيئا فشيئا.
"افهم انك تريدين البقاء وحدك لكنك بحاجة لصحبة"
"كلا لا أفعل !انت من تحتاجين ووجدتني هنا"
"نعم انا كذلك..و ادرك جيدا الامر لكن ما لا تدركينه انت انك كذلك بحاجة لذلك لكنك خائفة"
"كفى! سمعت ما يكفي..من انت كي تظني انك مخلصة الناس من مشاكلهم؟ من انت لتحددي ما احتاجه و ما لا احتاجه؟ ها!"
كنت في قمة انفعالي ،شعرت انها لمست وترا حساسا و كانت ستقودني للجنون فلا رغبة لي في الاستمرار.
انتهبت لخطواتها المبتعدة..هل اخفتها؟ حسنا هذا جيد كي لا تفكر في قول تفاهات أخرى.
"مهلا انتبهي!" صرخت و انا اقطع المسافة بيننا لابعدها عن مسار الدراجة النارية.
"انت بخير ؟"كان سؤالا عاديا لذا لا اعلم ما الذي جعلها تضحك.
"ما الذي يضحكك؟ لقد كدتي ان تصابي بأذى!"
"و لما توبخينني انا؟ هو من سار في غير مكانه المخصص.." حدقت فيها ببلاهة،صرت متأكدة انها مجنونة.
"ارايت لو ان اقدارنا لم تربط لما حدث كل هذا" لم افهم ما حاولت ايصاله لكني عزمت على سؤالها دون لف و دوران.
"ما قصتك يا فتاة؟ لما انا ؟ وهذه المرة ان لم تقنعيني فلن اعيد سؤالي و ساتجاهلك"
كنت جادة في قولي لان صبري سبق و نفذ."حسنا انت تشبهين اختي المتوفية" كان جوابها كصاعقة،لم اتوقع سماع ذلك.
"و بعد تحدثي معك زدت يقينا انك نسخة اختي الفريدة"
"آسفة" لم يكن لدي شيء أقوله غير تلك الكلمة.
"على ماذا؟ اعلم ان الخطأ خطئي لذا اردت التعويض،ليس لاختي لان الاوان قد فات لكنك فرصتي..آسفة ادرك انني انانية باقحامك في هذا"
"ماذا! كلا ..انصتي ادرك شعورك و لكني لست هي و ما تفعلينه...حسنا.." تلاشت الكلمات من فمي،حاولت الا ابدو وقحة او قاسية لكني فاشلة في هذا.
"لن ينفع..اعلم ،انا فقط احاول جعل شعور الذنب يقل،ربما اسعاد اختي ليست الحقيقة "
"حسنا لن أحاول الكذب"
"اعلم و هذه اجمل صفة فيك لذا حافظي عليها"
غادرت حينها بابتسامة تبدو حزينة الان عكس ما سبق..تلك الليلة لم استطع النوم،بدأت افكر في كل ما قالته..انا غبية في ما يتعلق بفهم و التعامل مع البشر و كأنها معادلة رياضية ليس لها حل عندي لكني فكرت في شيء قد اندم حياتي كلها عليه.
.....
دخلت الى الصف متأخرة و العرق يتصبب مني لركضي تلك المسافة من البقالة حتى المدرسة،فانا لست رياضية مثلها..صحيح لست ادري ما اسمها حتى.
فكرت في التحدث معها اكثر من مرة هذا اليوم لكنها تارة تكون مع صديقاتها و تارة مع الاساتذة فقد كانت على ما يبدو اجتماعية لدرجة لن أصل إليها حياتي كلها.
إستمر الحال على هذه الشاكلة و اصبح روتينا..المرور بالبقالة ،اخذ وجبتها التي تنساها لا اعلم لما كل مرة،الجري ،التأخر،و البحث عنها دون جدوى.
حتى غلبني اليأس،جلست على طاولتي اتناول الغذاء الذي حضرته الخالة صوفيا،لم اكن مضطرة لكني اعتدت على الحصول على وجبتين واحدة لي و الاخرى لها..خجلت من اخبار والديها انني افشل في مهمتي و لا اعلم مصير ذلك الطعام الذي اضعه على طاولتها حتى رأيتها تمسك كتفي،كدت اختنق من المفاجأة بعد ان رأيتها تجلس بجواري.
"اذا هل لي بوجبة معك؟" سؤالها حيرني رغما عني.
"اعني لديك وجبتان واحدة لي و الاخرى لك الا اذا كنت تريدين تناولهما.."
"كلا خذي!"مددت يدي لاخرج وجبتها و اناولها إياها.
"شكرا،اخبرني والدي انك تقومين بالتوجه لمحله كل صباح لاخذ وجبتي التي دائما انساها..صدقا لقد اندهشت من رؤية طعامي دوما على طاولتي حتى شككت ان لدي ملاكا حارسا ..لكن الان تأكددت شكوكي فقد كنت انت."
مدت يدها كي تصافحني.
"فرح اتريدين ان نكون صديقتين و اسميك فيري ملاكي الحارس؟"
"ماذا؟!"
"فكري بالامر جيدا لانك اذا اردت صديقة انانية مسببة للمشاكل فأنا هنا "
"انت لم تخبريني باسمك حتى؟"
اتسعت حدقيتيها لتضرب رأسها بيدها ،ردات فعلها غريبة و طفولية و..مضحكة نوعا ما.
"اعتذر نسيت فقد ظننت انك تعلمين...بالمناسبة اسمي هو روز ، روز سولوفان.."
أنت تقرأ
مذكرة الموتى
غموض / إثارةعالمنا عالم الفوضى و نحن هي الفوضى عندما تغيب العدالة و تندثر المسؤولية يصبح الانتقام حينها الوسيلة الوحيدة للحصول على حقك.. قضية بلا مشتبه هي أصعب قضية لكن ماذا ان كان دليلك فقط هو حدسك حينها يتغير مفهوم الصعوبة ليصبح استحالة.. لذا اسمعت يوما بتأثي...