الفصل 4

39 7 5
                                    

- إن حالتك النفسية متدهورة

كان هذا هو تشخيص الطبيب  الذي يقيم في القصر عن حالتي حينها ، فتحت عيني ببطء فوجدت الخادمات يجلبن لي الأدوية وكأس ماء قد وضع فوق المنضدة . إلا أن سمعت باب الغرفة قد فتح فتظاهرت بكوني نائما وأغلقت عيني من جديد .

دخل إلى الغرفة فتنحنح ووضع يده على فمه ، حينها تساقطت قطرات العرق على وجهي تباعا مدركا أن الواقف الآن هو أبي  أو كي أصيغها بشكل جيد الملك " لورشس"  ، نهضت من سريري رغم إعيائي الشديد وصداع الرأس الذي كان يفتكني وما إن وضعت قدمي على الأرض حتى قام بإسقاطي بواسطة عصا حديدية متصدئة جعلتني أتلوى من الألم فوق الأرضية الباردة ، نهضت مجددا فأسقطني مرة أخرى وأخرى .. حتى لم استطع النهوض أبدا .

-ألا تعرف القوانين ؟
- أجل أعرفها ، ولكني لا أستطيع النهوض سيادة الملك .

حينها انحنى على الأرض وجلس قبالتي محدّثا : لماذا لم تأت في الوقت المحدد ؟
تكلمت والأحرف تهرب من شفتاي كأني لم أتعلم النطق يوما : لقد نصبوا لي مكيدة .
- من هم ؟
- لست أدري .

أعاد ضربته مرة أخرى وكأني بها سأسترجع الذاكرة أو أبحث عن هوياتهم وأنا مغشي على الأرض .
- أنت أقوى الآن يا ألفرديت ، في آخر لقاء بيننا كنت تتأوه من شدة الألم ، وأتبع حديثه هذا بضحكة مستفزة ماكان لها إلا أن توقظ نيران الحقد والسخط في قلبي فصرخت فيه قائلا ناسيا الأحكام والعادات والأقاويل .. غير آبه إلا بنفسي !

- أنا أعلم الآن جيدا سبب إنتحار أمي في هذا القصر ! أنت وحش لا رحمة في قلبك !

أغمضت عيني حينها بشدة وأنا أغلق  فمي بكلتا يداي وبقيت واقفا مترقبا لكم من الضربات واللعنات التي سأتلقاها منه ، لكنني سمعت صوت الباب وهو يفتح فنظرت إليه بنصف عين مغلقة لكي أجده خارجا من الغرفة تاركا لي في حالة من الرعب والضياع ، كحال كل مرة ألتقيه فيها .

ولأول مرة لي في الحياة أحسست بالأمان بعد رحيله ، إطمئن قلبي وغمرت السعادة روحي رغم الكم الهائل الذي قد تلقيته من الضربات ، الدموع تنزل من عيني ممزوجة بنوع من الفرح والحزن نقيضا من الأمل والبؤس ، وحينما كدت أن أستلقي على الأرض كي أريح نفسي من العناء لعل دقات قلبي تكف عن التسارع حينها ، فتحت الأبواب على مصراعيها بصوت مدو قد زرع في قلبي الرعب فأدركت حينها

أن هذا الجحيم لن ينتهي أبدا إلا بموتي .

كُتفت أيدي وأرجلي بحبال طويلة أجر كوحش هارب من الزنزانة رغم أني لم أقترف ذنبا . أجر خيبة أملي ورائي باسما ضاحكا من السذاجة التي قد طرأت على بالي للتو أن أبي من الممكن أن يتغير يوما ! مستحيل بل من سابع المستحيلات .

دخلت إلى الممر المظلم وأنا أتفقده في حنين هذا المكان الذي قد قضيت فيه معظم طفولتي ، الجدران متهالكة والألوان أصبحت قاتمة أكثر مما كانت عليه ، إستئنسته بشدة رغم أني سأجلس وحيدا لبضعة أيام وربما لبضعة أشهر ..

وعلى غير العادة وجدت شخصا ما محبوسا في الزنزانة الخاصة بي ! تعجبت واستغربت في آن واحد ، أي جندي قد يقترف خطأ سيسجن في زنازن أخرى تقع في الطابق الأعلى ولكن ليس هذا ، ليس هذا ! ، وجدت الحارس يجر في نحو الأمام كي اتقدم ولكني صرخت فيه قائلا : أني أريد الذهاب إلى الزنزانة الخاصة بي وليس له حق في منعي من ذلك !

استسلم للأمر بعد إصراري الشديد عليه وفتح باب الزنزانة الحديدي ، نظرت إلى الشاب المنطوي على نفسه عند الركن وخاطبته قائلا :
- أهلا .

نظر لي في صمت ونظرات شاردة ، فأعدت سؤاله بشيء من الإستغراب والقلق : ما هو اسمك ؟

ردّ علي بصوت خفيض مختنق : لوردي .

ليالي ديسمبر Where stories live. Discover now