سير خطوات خفية وسط الممر ، الجميع يتقدم في ثبات وسكون عملية تجري داخل أركان القصر وقادتها في حالة من الشرود ، انقسمت المجموعة التي قد تم تعيينها إلى قسمين فريق يبحث عن القائد المراد قتله بينما البقية يسعون إلى إيصال رسالة زعيمهم وكلمة واحدة تتبادر إلى أذهانهم ، كل دقيقة كل ثانية " ممنوع الخطأ " لأنهم يدركون جيدا أن الخطأ يكلف الكثير هنا .
همس الجندي في صاحبه قائلا : إن قائد المجموعة الثانية هنا
تقدم الإثنان إلى الغرفة وأوصدا الباب بإحكام قائلين : لدينا رسالة لك أيها القائد أوصانا زعيمنا بإيصالها إليك ، لديكم إجتماع اليوم في القبو على الساعة الثالثة صباحا في زنزانة القطب كما أن هناك تعليمات أخرى تنص على عدم إخبارك بهذه المعلومة لقائد المجموعة الأولى .
لم يبد على وجه القائد أي علامات تدل على الدهشة أو الإستغراب ، بل اكتفى برسم ابتسامة غامضة على وجهه وهو يطالعهما بعينين تشعان خبثا قائلا : - أخيرا ، لقد تحرك أحدهم !
استدار نحو المكتبة وقال بصوت فرح : أبلغاه تحياتي وأخبراه أنني سأكون هناك في الموعد المحدد .
- أمرك .
في نفس الوقت كانت المهمة تسري بسلاسة وأصوات قائد المجموعة السابعة تصل إلى عدد كبير من الجنود والقادة ، الوقت يقترب أكثر والأصوات تعلو مؤيدة بقوة ، و بينما سير التحركات الخفية يعبر ممرات القصر فإن ذلك لا يشفع لسجين زنزانة القطب " لوردي " الذي قد أتاه الجنود مسرعين من أجل إخرجاه من الزنزانة بغية التحضير للإجتماع .
كان منزويا على نفسه في الركن وهو يجهش بالبكاء في صمت ، تقطعت أحبال صوته من شدة الصراخ أنه قد سجن ظلما ولاكن مامن صوت يسمعه ، أحرقته الدموع المالحة التي قد حفرت آبارا تحت مدمعه ، بينما وجهه قد تخللته علامات الشيخوخة وهو لم يكد يبلغ منتصف العشرين من عمره .
ضرب الجندي بيديه على الحائط موقظا له
- فلتستيقظ سيتم نقلك من هنا .
نهض لوردي ورجلاه ترتجفان من شدة البرد والصدمة بينما شعور يخالجه بإقتراب موعد الفرج
- لقد أخبركم ألفرديت بالحقيقة إذن !
- مالذي تتحدث بشأنه أيها الأحمق ؟ الوريث في غيبوبة منذ تلك الحادثة ، سيتم نقلك من هذه الزنزانة الآن إلى واحدة أخرى ولن يتم الإفراج عندك كما تعتقد .
فغر فاهه غير مصدق وهو يمسك رأسه بكلتا يديه يصرخ قائلا :
- لا ، لا ااااا ليس ممكنا أن يحدث ذلك لي ! عليكم أن توقظوا ألفرديت ! أقسم لكم أنكم مخطئون بسجني هنا ! سيخبركم بالحقيقة لست من فعلها ! لست أنا ، لست أنا !!أحضر الجندي مفتاح الزنزانة بينما رفيقه يطالع لوردي متعجبا و علامات التوتر بادية على وجهه ، حينها دخل الجنود وقاموا بإخراسه رغما عنه ، قيدوا معصمه و ضربوه إلى أن اختلطت الدموع بدماء جسده وهو يأن ألما ولكن ما من رحمة أو شفقة تستعطف قلوبهم وكأنهم آلات مجردة أمرت بالتنفيذ بضغطة زر واحدة تدعوهم للإيقاف أو التشغيل .
حينها أتى جيمي مسرعا وهو يصرخ في الجنود غاضبا بالإبتعاد عن لوردي ، أزاح أيديهم عنه ونهرهم على معاملتهم له بذلك الشكل بينما سمح لوردي حينها لنفسه أن تستريح على الأرض وهو يصرخ متأوها ، استغرب جميع الجنود اتجاه ردّة فعله بينما أتى قائد المجموعة السابعة معلقا :
- دعوه يفعل به ما يشاء ! فمصيره في الأخير هو الموت .
خرج الجنود من الزنزانة بينما ذهب جيمي لإحضار حقيبة الإسعافات الأولية ومن ثم قام بالجلوس بالقرب من لوردي ، وهو يخرج الأدوية من الحقيبة في صمت ، حتى نطق لوردي قائلا وهو يحاول النهوض من على الأرض بأيديه المجروحتين من أثر الضرب :
- لن أنسى لك معروفك هذا أبدا يا جيمي .
وضع جيمي يده على كتف لوردي وهو يحثه على الإستلقاء مجددا بسبب إصاباته البليغة وهو يقول له : فلتسترح الآن ولا تتحدث أبدا .ابتسم لوردي حينها و عاد مجددا كي يستلقي على الأرض في طمأنينة ، بينما جيمي يضمد جراحه بعناية و لوردي يغمض عينيه من شدة الألم الذي يحس به ، بعد انتهاءه من تضميد الجروح قام بوضع الأدوية في الحقيبة من جديد وعاد لوردي كي يسأله مجددا وهو يضحك :
- لقد إنتهيت الآن من تضميد جروحي يمكنني التحدث الآن أليس كذلك ؟
أجابه بشيء من الهمهمة : نعم
قال لوردي ونبرة صوته تميل إلى الحزن أكثر : أعلم أنك تلوم نفسك لأنك لم تأتي إلى هنا لإخراجي أنا وألفرديت وتقول في نفسك أن أي شيء من هذا لم يكن ليحدث لو أنك قد أتيت ، و لكن لا عليك فلقد كان موعد إخراجنا بالبارحة في يوم وقوع الحادثة لم تمر سوى ثلاثة أيام ، لهذا فأنت لم تخطئ في أي شيء !تابعه جيمي بنظرات صامتة وهو يتحدث بينما أكمل لوردي كلامه بسخرية كي يغطي شدة حزنه وآلامه قائلا : إن قدري ملعون أليس كذلك ؟ أنا الآن أعاقب على جريمة لم أرتكبها ، بينما صديقي يغط في غيبوبة وأسرتي لا أعلم أي خبر عنها منذ مدة طويلة
حينها لمعت عينا جيمي في حماس وسأله قائلا : بالحديث عن ذلك يا لوردي ، كيف كان الصراع بينهما ؟ من بدأه أولا ؟
نظر له لوردي في إستغراب وهو يسأله بنبرة منكسرة : عفوا ؟ ، أنا أحكي لك عن معاناتي بينما أنت متحمس لمعرفة طريقة سير العراك !
نهض جيمي من على الأرض و نفض ملابسه من أجل المغادرة وهو يخبره ساخرا : لم أكن آتي لإنقاذك على أي حال يا لوردي ، مالذي تظنه ؟
وضع يده على وجهه وهو يسحبها نحو الأسفل ببطء ضاحكا بقهقهة : لا تمازحني ، هل ظننت حقا أنني أشعر بالذنب لما قد حصل معك ؟ إنه خطأك لماذا علي أن أفكر بشأنه ؟
حدق فيه لوردي ببلاهة ، وأحرف اللغة بأكملها لم تسعفه لقول كلمة تصف حالته حينئذ ، اكتفى بمشاهدته وهو يضحك بقوة ، بينما وقع كل ضحكة عليه كانت تحطم به شيئا خفيا .
الإنسانية
الصداقة
وأنتكلها أشياء سخيفة ! لا معنى لها !
هذا ما ردّدّه في نفسه حينها ...
YOU ARE READING
ليالي ديسمبر
Actionألفرديت شاب عشريني غاص في غمار المجهول .. بين تقاليد العائلة وأحكام المجتمع كان يبحث عن ماهيته بين سطور الورق ، إلا أن وجد نفسه كاتبا يخط بالدماء فوق نصوص الأبرياء ظلما ، فما قصته ؟ وما هو عنوان حكايته؟ 2023/09/24