الفصل 15

22 4 2
                                    

الساعة السادسة صباحا عند الممر

تقدم نحو الأمام بخطى واسعة وعيناه تشتعلان كألسنة اللهب الحارق ، أدرك أخيرا أنه ما من شيء قد يوقف طمع قائد المجموعة السابعة ومئات الأسئلة تدور في رأسه : لماذا أتى توهامي إلى هنا ؟ ما الذي كان يقصده أبي بقوله ذلك قبل موته؟ ماهي الخطة التي يحيكها الجميع وراء ظهري ؟

توقف في منتصف الممر وكأن صاعقة قد ضربت رأسه ، انتفض من مكانه وهم بالمغادرة فورا وكل مايدور في خلده أن : يجب علي العثور على مفتاح الزنزانة ، لوردي هو الوحيد الذي يستطيع فعلها بلا شك !

دخل إلى غرفة الحراس و أنفاسه متسارعة أثر الركض ، فتش بعينيه عن أي أثر لمكان المفاتيح حتى
لطم رأسه بالمكتب وهو يحاول النهوض من على الأرض بسبب إسقاطه للمفتاح  ، غير أن شيئا ما غير ذلك قد لفت انتباهه ، حمل بيده اليمنى صورة قديمة مهترئة وآثار الغبار متكدسة عليها بينما يحمل بيده الثانية مصباحا يدويا يضيئها به ، سمع صوتا قادما لأحد الحراس في الممر وهو يقوم بدوريته الصباحية فقام بحبس أنفاسه والإختباء خلف الكرسي الذي لم يكن يغطي إلا نصف جسده . ابتعد صدى الخطوات شيئا فشيئا فتحامل جيمي على نفسه وهو يرتكز على إحدى الكراسي من أجل النهوض ، لايزال تحت تأثير صدمة حزنه ودموعه تنزل على خده في مهل قام بمسحها بكفيه وهو يشد على الصورة التي يمسكها بيده حتى كادت تتمزق ، ومن ثم قام بوضعها في جيبه والرحيل بهدوء وهو يحمل خيبته معه أينما حل .

نزل إلى الطابق السفلي غير مبال بإمكانية وجود الحراس أو أي أحد قد يعيق طريقه ، ماعاد الخوف يصنع حاجزا بينه وبين الذي يريد تحقيقه إما النصر الآن أو لا سبيل للعودة !

جلس يحدق في لوردي النائم على أرضية الزنزانة الباردة بشفقة،  وهو يمسح بيده على وجهه في ندم  وغضب : كيف لك أن تفعل هذا برفيقك ؟ كيف له أن يقبل بمساعدتك أصلا ؟

لم يجرء على التفوه بكلمة واحدة بل اكتفى بالجلوس أمام الزنزانة وهو يسند رأسه على قضبانها في حزن شديد ، مرّ زمن ليس بالقليل وهو على حاله تلك إلى أن نطق لوردي كاسرا لجدارا الصمت
قائلا :
- ألم تتعب من الجلوس هناك ؟
رفع جيمي رأسه بشيء من الدهشة وهو يقوم  بمسح دموعه بسرعة قبل أن يلحظها لوردي
- هل أيقظتك ؟
- أجل إن صوت بكائك عال جدا !
- أنا آسف .
همّ بالرحيل قبل أن يسأله لوردي قائلا :
ألم تجد مكانا غير هذا من أجل البكاء ؟ فلتخبرني فحسب  ، ماذا تريد ؟
إلتفت جيمي ناحيته وهو يرمقه بنظرة  حانية قد طبطبت آثار وجعه بعد سمعه لتلك الكلمات من لوردي فردّ عليه قائلا :
- وهل سوف تساعدني إن أخبرتك؟

نهض لوردي هو الآخر من مكانه وهو يضع يديه على القضبان ويطل برأسه على جيمي الذي لا يزال واقفا بجانب الزنزانة .

- حسنا إن كان بإمكاني فلم لا ؟
فغر جيمي فاهه غير مصدق لما يسمعه وهو يسأله بدهشة : هل صحيح ما تقوله ؟ أنسيت مالذي فعلته بك ؟
لمح جيمي طيف الخيبة وهو يدب في روح لوردي وكأنه قد قام بفتح جرحه مرة أخرى

- لا ، لم أنسى ! لازلت أتذكر كل لحظة كنت فيها معي هنا ، تلك الآمال والوعود الكاذبة التي قد قطعتها لي ... تنهد ومن ثم أكمل حديثه قائلا بحزن :
إن لم أساعدك فسوف أتخلى عني ، وهذا آخر شيء قد أسمح بحدوثه في حياتي .

توقف جيمي وهو يحدق به شارد الذهن وهو يستحضر آخر مرة كان فيها مايريده ، إنهمرت عيناه بالبكاء وهو يتذكر أيام طفولته أينما كان عنيدا مشاغبا يفعل مايريد ، يأخذ قرارات متهورة و ينفذها بعد أن قام بعصيان الجميع ، أينما كانت البسمة تعتلي وجهه وهو  يقوم بمساعدة كبار السن في النزول من على الدرج ...

أين ذهبت طيبته ؟ حيلته البريئة ؟ وبسمته الصادقة ؟ مبادئه التي كانت تبني له جسرا يمر من خلاله لهذه الحياة ؟

خاطب نفسه قائلا حينها : أين أنا من كل هذا ؟ لقد تخليت عن نفسي منذ وقت طويل ما أقبحني أريد الموت برفقتك يا أبي !

خرج لوردي من الزنزانة وهو يقوم بالطبطبة عليه في حنان بينما جيمي يبكي بحرقة و لا يستطيع منع نفسه ، حدّق فيه بإعياء وهو يقول له بنبرة مختنقة :
- شكرا لك يا لوردي على كل شيء ، كلماتك تلك قد إنتشلتني من دوامة لانهاية لها

توقف لوهلة ومن ثم استطرد كلامه قائلا بأسى  : أنا على عكسك  لقد تخليت عن نفسي منذ زمن طويل !

نظر إليه بإطمئنان ومن ثم  فجأة قام بالصراخ فيه بقوة  :  لوردي  متى خرجت من الزنزانة  !!!

ضحك لوردي بقوة وهو ممسك لبطنه : إحرز متى قمت بذلك ؟

- مالذي تقصده ! لقد كنت مسجونا هنا !

ربت على رأسه وهو يقول ضاحكا : هناك الكثير من الأشياء التي لا تعرفها

رفع  جيمي حاجبيه متسائلا ، فنهض لوردي من مكانه وهو ذاهب للزنزانة قائلا :

- إنها قصة طويلة ..

ليالي ديسمبر Where stories live. Discover now