الساعة السادسة صباحا عند الممر
تقدم نحو الأمام بخطى واسعة وعيناه تشتعلان كألسنة اللهب الحارق ، أدرك أخيرا أنه ما من شيء قد يوقف طمع قائد المجموعة السابعة ومئات الأسئلة تدور في رأسه : لماذا أتى توهامي إلى هنا ؟ ما الذي كان يقصده أبي بقوله ذلك قبل موته؟ ماهي الخطة التي يحيكها الجميع وراء ظهري ؟
توقف في منتصف الممر وكأن صاعقة قد ضربت رأسه ، انتفض من مكانه وهم بالمغادرة فورا وكل مايدور في خلده أن : يجب علي العثور على مفتاح الزنزانة ، لوردي هو الوحيد الذي يستطيع فعلها بلا شك !
دخل إلى غرفة الحراس و أنفاسه متسارعة أثر الركض ، فتش بعينيه عن أي أثر لمكان المفاتيح حتى
لطم رأسه بالمكتب وهو يحاول النهوض من على الأرض بسبب إسقاطه للمفتاح ، غير أن شيئا ما غير ذلك قد لفت انتباهه ، حمل بيده اليمنى صورة قديمة مهترئة وآثار الغبار متكدسة عليها بينما يحمل بيده الثانية مصباحا يدويا يضيئها به ، سمع صوتا قادما لأحد الحراس في الممر وهو يقوم بدوريته الصباحية فقام بحبس أنفاسه والإختباء خلف الكرسي الذي لم يكن يغطي إلا نصف جسده . ابتعد صدى الخطوات شيئا فشيئا فتحامل جيمي على نفسه وهو يرتكز على إحدى الكراسي من أجل النهوض ، لايزال تحت تأثير صدمة حزنه ودموعه تنزل على خده في مهل قام بمسحها بكفيه وهو يشد على الصورة التي يمسكها بيده حتى كادت تتمزق ، ومن ثم قام بوضعها في جيبه والرحيل بهدوء وهو يحمل خيبته معه أينما حل .
نزل إلى الطابق السفلي غير مبال بإمكانية وجود الحراس أو أي أحد قد يعيق طريقه ، ماعاد الخوف يصنع حاجزا بينه وبين الذي يريد تحقيقه إما النصر الآن أو لا سبيل للعودة !جلس يحدق في لوردي النائم على أرضية الزنزانة الباردة بشفقة، وهو يمسح بيده على وجهه في ندم وغضب : كيف لك أن تفعل هذا برفيقك ؟ كيف له أن يقبل بمساعدتك أصلا ؟
لم يجرء على التفوه بكلمة واحدة بل اكتفى بالجلوس أمام الزنزانة وهو يسند رأسه على قضبانها في حزن شديد ، مرّ زمن ليس بالقليل وهو على حاله تلك إلى أن نطق لوردي كاسرا لجدارا الصمت
قائلا :
- ألم تتعب من الجلوس هناك ؟
رفع جيمي رأسه بشيء من الدهشة وهو يقوم بمسح دموعه بسرعة قبل أن يلحظها لوردي
- هل أيقظتك ؟
- أجل إن صوت بكائك عال جدا !
- أنا آسف .
همّ بالرحيل قبل أن يسأله لوردي قائلا :
ألم تجد مكانا غير هذا من أجل البكاء ؟ فلتخبرني فحسب ، ماذا تريد ؟
إلتفت جيمي ناحيته وهو يرمقه بنظرة حانية قد طبطبت آثار وجعه بعد سمعه لتلك الكلمات من لوردي فردّ عليه قائلا :
- وهل سوف تساعدني إن أخبرتك؟نهض لوردي هو الآخر من مكانه وهو يضع يديه على القضبان ويطل برأسه على جيمي الذي لا يزال واقفا بجانب الزنزانة .
- حسنا إن كان بإمكاني فلم لا ؟
فغر جيمي فاهه غير مصدق لما يسمعه وهو يسأله بدهشة : هل صحيح ما تقوله ؟ أنسيت مالذي فعلته بك ؟
لمح جيمي طيف الخيبة وهو يدب في روح لوردي وكأنه قد قام بفتح جرحه مرة أخرى- لا ، لم أنسى ! لازلت أتذكر كل لحظة كنت فيها معي هنا ، تلك الآمال والوعود الكاذبة التي قد قطعتها لي ... تنهد ومن ثم أكمل حديثه قائلا بحزن :
إن لم أساعدك فسوف أتخلى عني ، وهذا آخر شيء قد أسمح بحدوثه في حياتي .توقف جيمي وهو يحدق به شارد الذهن وهو يستحضر آخر مرة كان فيها مايريده ، إنهمرت عيناه بالبكاء وهو يتذكر أيام طفولته أينما كان عنيدا مشاغبا يفعل مايريد ، يأخذ قرارات متهورة و ينفذها بعد أن قام بعصيان الجميع ، أينما كانت البسمة تعتلي وجهه وهو يقوم بمساعدة كبار السن في النزول من على الدرج ...
أين ذهبت طيبته ؟ حيلته البريئة ؟ وبسمته الصادقة ؟ مبادئه التي كانت تبني له جسرا يمر من خلاله لهذه الحياة ؟
خاطب نفسه قائلا حينها : أين أنا من كل هذا ؟ لقد تخليت عن نفسي منذ وقت طويل ما أقبحني أريد الموت برفقتك يا أبي !
خرج لوردي من الزنزانة وهو يقوم بالطبطبة عليه في حنان بينما جيمي يبكي بحرقة و لا يستطيع منع نفسه ، حدّق فيه بإعياء وهو يقول له بنبرة مختنقة :
- شكرا لك يا لوردي على كل شيء ، كلماتك تلك قد إنتشلتني من دوامة لانهاية لهاتوقف لوهلة ومن ثم استطرد كلامه قائلا بأسى : أنا على عكسك لقد تخليت عن نفسي منذ زمن طويل !
نظر إليه بإطمئنان ومن ثم فجأة قام بالصراخ فيه بقوة : لوردي متى خرجت من الزنزانة !!!
ضحك لوردي بقوة وهو ممسك لبطنه : إحرز متى قمت بذلك ؟
- مالذي تقصده ! لقد كنت مسجونا هنا !
ربت على رأسه وهو يقول ضاحكا : هناك الكثير من الأشياء التي لا تعرفها
رفع جيمي حاجبيه متسائلا ، فنهض لوردي من مكانه وهو ذاهب للزنزانة قائلا :
- إنها قصة طويلة ..
YOU ARE READING
ليالي ديسمبر
Actionألفرديت شاب عشريني غاص في غمار المجهول .. بين تقاليد العائلة وأحكام المجتمع كان يبحث عن ماهيته بين سطور الورق ، إلا أن وجد نفسه كاتبا يخط بالدماء فوق نصوص الأبرياء ظلما ، فما قصته ؟ وما هو عنوان حكايته؟ 2023/09/24