بينما هو واقف وسط الغرفة يحدّق بها في ذهول تقدمت ناحيته ببطء وهي تردّد على مسامعه قائلة : هل أنت هنا من أجلي ؟ هل ندمت ؟
تراجع ألفرديت خطوتين نحو الوراء ودقات قلبه تتسارع أكثر فأكثر ، صوتها الحنون تغير فجأة ، وملامح وجهها أصبحت أشد تجهما بعدما كانت الطمأنينة تغطيها بدأت تصرخ فيه قائلة :
انظر إليه ، أنظر لماذا فعلت !!
حدّق فيه ألفرديت برعب وهو يصرخ من شدة الخوف الذي قد سيطر عليه ، الدماء تسيل من وجهه من عينيه ومن أنفه من كل زاوية تحيط به ، توقف الطفل أخيرا عن البكاء . بينما الدماء تنهمر على رداء المرأة التي تحمله ، أصبح ثوبها الأبيض ملوثا ببقايا أحزانه التعيسة ويداها ترتجفان إلى أن أسقطته أرضا ، فتح ألفرديت عينيه على آخرهما وهم بالإمساك به قبل أن يسقط على الأرض ، حينها أمسكت بيده بقوة وصرخت في وجهه قائلة : حتى أنا لم ينقذني أحد ذلك اليوم !
دفعته نحو الخلف بقوة إلى أن تحطم الجدار على رأسه ، وسقط في فراغ أزلي لا متناهي ، لم يكن ألفرديت يدرك حجم الكارثة التي تقع خلف شاشة حلمه والأطباء يتهافتون من أجل إنقاذه وهو في حالته تلك ، كان منفصلا عن الواقع بأكمله ، فلا هو يعيش في حلمه ولا في الأرض التي تسعه . تائه وسط كومة قش تهزها أعاصير الرياح ، حتى وهو يسقط نحو القاع بشدة إلا أنه يبتسم من مرارة واقعه وألمه ، عقله لا يقوى على طرح سؤال واحد ، كل شيء أصبح فارغا تماما مثل قلبه .نطق أخيرا وهو يتمتم وسط الظلام :
- لست ملاكا على أي حال ، فلتمت !
********صرخ جيمي في الجنود بجنون وهو يقلب جثة القائد بين يديه في إعياء والدموع تتساقط على خده كالسيل الغزير : فلتسرعوا إلى هنا !
دخل أحد الجنود إلى الغرفة وهو يحمل مصباحا يدويا : ماذا هناك؟
- لقد قتلوا القائد ! فلتسرع ولتلقي القبض عليه لم يخرج من القصر بعد .
ردّ عليه الجندي ساخرا : ههه ، نلقي القبض عليه ؟ مالذي تقوله؟
إشتعلت عينا جيمي من فرط الغضب وقام بركله بقوة وخرج إلى ساحة القصر وهو يبحث بعنيه عن طيف توهامي الذي قد رحل ، وقف لدقيقة من الزمن وهو يتذكر آخر ماسمعته أذناه .
- صحيح هو سوف يلتقي بالقائد الآن !!
أسرع نحو بوابة القصر والوحل يعيق طريقه في كل مرة يحاول فيها الركض غير أنه لم يقف لثانية واحدة رغم أنفاسه التي تكاد تتوقف .
كاد أن يدخل في خضم النقاش ويتهمه بقتل القائد لكن شيئا ما بداخله قد استوقفه وحثه على المشاهدة من بعيد فحسب ، لم يأتي أي شيء عبثا ! كلماته وثقته أنه سوف يخرج حيا وسط عش من القنابل هو بحد ذاته ضرب من الخيال ، وقف عند أحد الزوايا القريبة من بوابة القصر وهو يسترق السمع .- إذا ، لقد أنجزت الإتفاق الذي بيننا أليس كذلك ؟
- لا ، لم يوف بعد لا يزال علي قتل لورش وابنه كي أستطيع بالفعل تطبيق ما قد وعدتك به !
- أنت تعلم أن هذا مستحيل ! الأطباء يحيطون بهم من كل حدب وصوب لن أستطيع توفير الحماية لك !
- وهل سألتك لحمايتي ؟ عليك أن توفر لي طريقة للدخول هناك فحسب !أصبح وجه قائد المجموعة السابعة متجهما وهو يقول : فليكفي إلى هنا وحسب ، لقد سمحت لك بقتل القائد
- عفوا ؟ لقد أمرت كل من في القصر بقتله !
تراجع جيمي نحو الخلف وهو يقبض على فمه من فرط الدهشة والغضب والحزن ، إختلطت أحاسيسه حتى صنعت خليطا مرا يتجرعه في داخله بصمت وهو يحترق كألسنة اللهب ، الملايين من الإحتمالات الشيطانية قد حلت برأسه : هل أفصل رأسه عن جسده ؟ أم أقطعه وأعطي حصته للذئاب كي تبتلعه ؟ ، لم يسمح شيء في تلك اللحظة بشفاء غله إلا تلك الفكرة المجنونة التي قد طرأت على باله في تلك اللحظة، والتي ستغير مجرى الأمور من الآن وصاعدا ، رحل في صمت كما قد حل بينما تأكد من ذهاب توهامي بعيدا عن القصر يحمل خيبته في صمت وهو يراعي شعوره بالضعف ملتصقا به كشبح خائف لا يريد النزوح عنه ، آنسته قطرات المطر وهي تسقط على جسده مبللة له وكأنها تكفر عن خطيئته ، خطيئة الجبن التي قد قيدت يداه وأغلقت بصره ضعفا ، خوفا وجبنا من مواجهة مصيرة.
قال مخاطبا نفسه بإعياء :إلى من تكون الدفة حينها ؟
إلى ذلك الشبح الذي قيد يديك حينها وأنت ترى أباك مقتولا أمامك ؟ أم إلى حقنة الإنتقام التي تسير في دماءك الآن ؟
جثا على ركبتيه صارخا :
عن أي جحيم تتحدث يا أبي وقد تركتني الآن وحيدا هنا ؟ ماااهو ؟ بربك فلتخبرني ماهو !!
YOU ARE READING
ليالي ديسمبر
Actionألفرديت شاب عشريني غاص في غمار المجهول .. بين تقاليد العائلة وأحكام المجتمع كان يبحث عن ماهيته بين سطور الورق ، إلا أن وجد نفسه كاتبا يخط بالدماء فوق نصوص الأبرياء ظلما ، فما قصته ؟ وما هو عنوان حكايته؟ 2023/09/24