الفصل 8

27 5 2
                                    

عند حافة الرصيف انحنى العجوز " سميث " ليلتقط دينارا ذهبيا واقعا على الأرض  و ابتسامته التي تخلو من الأسنان تغطي وجهه فرحا قائلا :
إنه يوم حظي !
اقترب منه أحد الجيران بفضول قائلا :
ومتى لم يكن لك حظ يا سميث ؟
التفت له العجوز باستغراب : ماذا تريد أن تقول ؟
- لوردي يعمل ليلا نهارا من أجل إيصال النفقة لك ، وأما عن اطفالك فأرى أنهم لم يأتوا إلى هنا منذ عدّة أشهر
ضرب العجوز عكازه على الأرض  بقوة :
اخرس ، ليس لك حق في التدخل بشؤون عائلتنا أيها الأحمق !
صرخ فيه الرجل قائلا : لو علم لوردي بالذي تفعله  لعاد إلى هنا وأحرق هذا البيت على رأسك  !
قام سميث بضرب الرجل بعكازه وهو يصرخ فيه باستمرار إلى أن ذهب الرجل يتأوه من شدة الألم .
جلس سميث على قارعة الطريق ساخطا وهو يصرخ في الماشية :
لا أحد منكم يعرف حياتي ، ولكن كل واحد فيكم لديه الحق في التدخل بشؤوني ، فلتنشغلوا بأعمالكم أيها الحمقى ، أم أن الحسد قد أعمى تلك العيون !؟

واصل الناس طريقهم وهم يتهامسون بينهم وآخرون يضحكون من غرابة الموقف قائلا :
لقد جُنّ سميث قطعا ! 

حينها نهض العجوز سميث من على الأرض وهو يجر رجليه  بإعياء إلى أن وصل إلى المنزل وقام بالجلوس فوق الأريكة ، أشعل التلفاز ومن ثم أطفئه حالا وكأنه قد تذكر شيئا ،قال في نفسه حينها : علي أن أسأل لوردي !

صوت رنين الهاتف على الطرف الآخر : ألو
- أهلا أنا المستأجر رقم ثمانية .
- أهلا أيها العجوز ، كيف حالك ؟
- لست بخير يابني ، فلتعط الهاتف للوردي كي أتكلم معه
- لقد أخبرتك المرّة السابقة أنه في مهمة خاصة ولن يعود إلا بعد وقت طويل جدا !
- ولكنني بحاجة إليه !
- هل يمكنك أم تخبرني بالذي تريده؟ وسوف اقوم بإيصال الرسالة إليه .
- حسنا لك ذلك ، فلتخبره أن أبوه مريض جدا ولا يستطيع التحرك من الفراش وهو بحاجة لمزيد من النفقة .
- ولكن سيدي لقد أعطيانك بالفعل اجرا مضاعفا هذا الشهر ألم يكفيك ؟
صرخ فيه سميث قائلا : ألا تعرف سعر الأدوية أيها الولد ! كما أنني أنفق على أسرة تتكون من خمسة أفراد ! كيف للمال أن يبقى  بحوزتي ؟
هدّأ الحارس من روعه قائلا : على رسلك أنا أفهمك أيها العجوز ولكن كيف للوردي أن يجلب لك المال ؟
- قل له أن يعمل لساعات إضافية وهكذا سيزدادا أجره ! أو فليجد عملا آخر في أوقات إستراحته .
غمغم الحارس بحزن : ولكن هذا كثير عليه  !
صرخ فيه سميث صارخا وكأنه لم يسمعه قائلا : هاا مالذي تقوله ؟ الإشارة ضعيفة هنا لدي !
- لا بأس ، سوف أخبره أن يقوم بذلك .
- شكرا لك أيها الفتى الطيب ،  شكرا لك .
أغلق الحارس السماعة ومن ثم جلس على الكرسي بإعياء قائلا : ألم يقل أن الإشارة كانت ضعيفة ؟ فكيف له أن سمعني !
ردّ عليه رفيقه في العمل : إنه ذلك العجوز مرّة أخرى ، أليس كذلك ؟
- أجل ، إنه هو
- لماذا قام بالإتصال ؟
رد عليه بسخرية قائلا : إنه يريد  المزيد من المال لأن أجر هذا الشهر لم يكفه بسبب مرضه .
- أنت تمزح صحيح ؟ لقد أرسلنا له الضعف هذه المرة !
- إن الطمع يعمي صاحبه ، وهذا العجوز لايرى أبدا !
- المسكين لوردي إنه يعاني حقا .
- لاتقلق عندما يخرج لوردي  من هنا سوف يكتشف كل شيء بالتأكيد  .
- هل هذا صحيح ! متى سوف يقومون بإخراجه من هنا؟
- لماذا أنت فرح هكذا ؟ ليس جديدا عليك أن الجنود هنا يزورون عائلاتهم كل ثلاثة أشهر  .
حينها رد عليه بنبرة محبطة ، وعلامات الحماس قد تبددت من وجهه شيئا فشيئا : إذا فأنت لا تعرف .
- ماهو الذي لا أعرفه ؟
- إن لوردي مسجون في إحدى الزنزانات من الطابق السفلي ، ولم يتبقى سوي يومين لمجزرة القطب .
صرخ فيه الحارس قائلا : متى حصل هذا ! ومالذي أدى إلى سجنه ؟
- لقد حصل هذا منذ وقت طويل ! كما أن لوردي قد اخترق إحدى القوانين لقد قام بذكر الوريث الحادي عشر
- ألم يكن يعرف بشأن هذا !
- بالطبع لا ، لو كان يدري لما حصل هذا معه ، كما أن ...
- ماذا فلتكمل ؟
رد عليه في أذنه هامسا : سمعت أن الوريث الحادي عشر مسجون برفقته
- الأمور تزدادا أكثر تعقيدا !
- لم يأتي الأسوأ بعد ، فلتتهمل
- أهناك تكملة ؟
- سوف يتم ترسيم ثريا قريبا .
-  و لكنها  بعمر السادسة عشرة فحسب !
- أجل إنه لأمر غريب حقا ، لقد تساءلت عن السبب أكثر من مئة مرة لكنني لم أجد سببا مقنعا .
- وأختها الصغيرة ؟
- لم يسمع أحد عنها أي خبر منذ تلك الحادثة  .

تبادل الإثنان علامات الحيرة والشك في صمت ، بينما جانب هامس داخلهما يأن من شدة الحزن على القصة الكئيبة التي تحدث أمام عينيهما وهما لايستطيعان الحراك من أجل تقديم المساعدة .

ليالي ديسمبر Where stories live. Discover now